بقلم: خالص جلبي
لنحاول أن ندخل إلى الجوف القحفي المغلق حتى نتعرف على بعض الأسرار، ولكن كيف الطريق إلى ذلك؟ لنتسلق أحد الأعصاب الشمية الموزعة بشدة في المنخر، ولكن هذه الملامسة سوف تثير منعكس العطاس الشديد، حيث سيطرح أي غريب يحاول أن يخرش القسم المخاطي من داخل المنخر. ولكن لنحاول أن نخترق الغشاء المخاطي، ثم نتسلق أحد الأعصاب الشمية، ولكن إلى أين؟ يأتي الدليل ليقودنا إلى المتاهات العجيبة، وبينما نحن نسير، إذا بالعصب يمر من ثقبة من خلال صفيحة عظيمة، وهذه الصفيحة مثقبة بشدة لمرور باقي ألياف العصب الشمي، هذه الصفيحة تسمى بالصفيحة الغربالية، لأنها تشبه الغربال في منظرها، ثم يصعد العصب الشمي إلى داخل القحف، حيث يتصل بكتلة تشبه البصلة، ولذا سميت بالبصلة الشمية، وبعدها يتخذ الطريق الشمي طريقا معقدا لسنا بصدده الآن. وهنا داخل القحف ماذا نجد؟ كتلة رخوة هشة سريعة التأثر، ولكنها مغلفة بثلاثة أغلفة، وذلك لحماية المخ وباقي عناصر الجملة العصبية والغشاء الأول بعيد جاف، ولذا يسمى بالأم الجافية، وكأن الغشاء أُم تحوط الجملة العصبية، ولكن نظرا إلى بعد الغشاء الأول سمي بالأم الجافية، وهناك الطبقة الرقيقة الحنونة التي تحيط بالمخ مباشرة ولذا سميت بالأم الحنون، وما بين الغشائين يوجد غشاء نسيج يشبه نسيج العنكبوت، ولهذا سمي بالغشاء العنكبوتي، وهو رخو يلتصق بشدة بالأم الجافية، ويتباعد عن الأم الحنون حتى يترك المجال لسائل يحيط بالجملة العصبية والأجواف الأخرى، حماية للمخ وغيره من الرضوض. وهنا يقف الإنسان متأملا متسائلا عن شدة هشاشة وضعف الجملة العصبية من جهة، وشدة فعاليتها وعظمة تركيبها من جهة أخرى، ولذا أحيطت بكل هذه العناية والتكريم. ولنربط ما بين هذه الأغشية الثلاثة التي تحيط بالدماغ وما بين الأغشية الثلاثة التي كانت تحيط بالجنين، حينما كان في بطن أمه. والدماغ موضوع ضمن صندوق عظمي هو القحف، حيث تشتد سماكته في بعض المناطق الخطرة والتي تتعرض للصدمات أكثر من غيرها كما في الجبهة والقفا، وحيث ترق في المناطق الأخرى التي لا تتعرض للصدمات كما في الصدغين، وداخل هذا الصندوق العظمي توجد تجاويف وحفر وميازيب، بحيث تناسب الفصوص الدماغية تماما فالصندوق في الداخل ليس أملسا، بل فيه البوارز والمنخفضات بشكل يتلاءم مع المحتوى الدماغي، ولذا نجد بروزا مزدوجا في الأمام يناسب الفصوص الدماغية الجبهية والتي يقال إن لها علاقة بتكوين الشخصية. كما أن القفا بارز، بحيث يأخذ شكل القص القفوي الدماغي والذي له علاقة وثيقة بالرؤية، وأما البصلة الشمية التي تحدثنا عنها والتي تختص بحاسة الشم عند الإنسان فهي تقع في قاع القحف في منخفض منه يجنب الخط المتوسط، حيث يقوم بجانبها ارتفاع وكأنه عرف الديك، ولذا سمي هذا الارتفاع بنتوء عرف الديك، وهذا النتوء يتناسب مع الفاصل الفارغ ما بين نصفي كرة الدماغ، وفي مؤخرة قاع الصندوق القحفي توجد فجوة صغيرة هي الثقبة القفوية والتي تمر منها العناصر العصبية، التي تعتبر صلة الوصل ما بين الدماغ والنخاع الشوكي، وهي التي مرت معنا وهي الساقان المخيتان والحدبة الحلقية أو جسر فاروق، وأخيرا البصلة السيسائية، والمجموع العام يسمى بالجذع الدماغي، وهو مركز الحياة، فإذا طعن أحدهم في النقرة بإبرة مات من فوره. أما المخيخ فيسكن منطقة تقع تحت المخ مباشرة، حيث يفصل عن المخ بما يشبه الخيمة، ولذا سمي هذا الفاصل بالخيمة المخيخية وهو المسؤول الرئيسي عن التوازن، فإن اختل تطوح الإنسان وكأنه سكران بدون خمرة، وأما النخاع الشوكي وطوله 43 سنتيمترا فهو يسكن تجويفا عظيما وهو محمي من كافة الأطراف بالفقرات العظمية، وهي سبع فقرات في منطقة الرقة واثنتي عشرة فقرة في منطقة الظهر وخمس فقرات في منطقة القطن وخمس فقرات في منطقة العجز. وأخيرا هناك عدة فقرات تشكل العصعص أو العجز النهائي، وهناك قول يتحدث عن انبعاث الإنسان من مرقده من هذا المكان. ولو نظرنا في تكوين الفقرات وشكلها لأخذنا العجب كل مأخذ، فهي أشبه ما تكون بالصحن الطائر على وجه العموم، وإن كانت تختلف اختلافا طفيفا من مكان لآخر، بحيث تتناسب مع المنطقة التي يمر منها النخاع، فهي بالخلف ممتدة بنتوء يسمى النتوء الشوكي، حيث تحمي النخاع من الخلف مع صفيحات أخرى تتمفصل مع النتوء وتتمادى به، وهي الصفيحات الفقرية، وفي الأمام يوجد جسم منتفخ هو جسم الفقرة، وفي الجانبية توجد نتوءات معترضة للحماية الجانبية، وبين كل هذه العناصر ترقد الثقبة النخاعية التي تحوي النخاع الشوكي، والذي يبلغ قطره سنتيمترا واحدا فيه ملايين الكابلات العصبية، وفي داخله قناة تسمى بالقناة المركزية، حيث تحتوي جدرانها على خلايا تفرز السائل الدماغي الشوكي، وتتمادى هذه القناة المركزية في الأعلى، حيث تنفتح على منطقة تسمى بالبطين الرابع، وهي مهمة جدا من الوجهة التشريحية والفيزيولوجية، وهي كائنة في البصلة السيسائية وفيها مركز هام يسمى بمركز الحياة، وهو في حقيقته المركز المهيمن على الحركات التنفسية، ولذا فإن تخريبه يؤدي إلى انقطاع المركز القائد الذي ينظم الحركات التنفسية وبالتالي الموت، إلا أن يبقى ذلك الإنسان يتنفس دائما بالرئة الفولاذية الاصطناعية.
نافذة:
الدماغ موضوع ضمن صندوق عظمي هو القحف حيث تشتد سماكته في بعض المناطق الخطرة والتي تتعرض للصدمات أكثر من غيرها كما في الجبهة والقفا