ما لم ينتظره أصدقاء النظام السوري
فاطمة ياسين
شهدت الحرب في سوريا طوال السنوات الماضية منحنيات حاسمة، وباتجاهات متضاربة، عكست قوة التأثير الخارجي، فتحولت الثورة العفوية إلى تنظيمات متفرقة ساهم النظام بتقطيع أوصالها، وصارت المناطق التي خرج منها النظام مساحات شاسعة، تخللتها جزر شكلت حواجز للنظام بين مناطق المعارضة. في تلك الفترة، ظن كثيرون أن سقوط النظام قد أصبح واقعا قريبا، ولكن التوازنات الدولية أتاحت لروسيا التدخل بتدرج مدروس وموجه، فساندت النظام في وصوله إلى الوضع الحالي، مع شبه استقرار في السيطرة الجغرافية للنظام على المناطق الساحلية والجنوبية حتى نهر الفرات، الذي شكل حاجزا طبيعيا مع القوات الكردية. وفي الشمال، احتفظت تركيا بمنطقة جغرافية واسعة من جرابلس حتى عفرين، وبعمق كاف، مع محافظة إدلب.. كان النظام، ومن خلفه روسيا، يرغب بضم هذه المنطقة إليه أيضا، ولكن التوازنات أجلت المشروع، وربما ألغي، أو تم الاحتفاظ به حتى نضوج الصفقة الجديدة.
أدارت روسيا الحرب منذ لحظة دخولها الأرض السورية، واستخدمت إيران في أوقات الحاجة، وأظهرت نفسا طويلا في التعامل مع القضية، وهي تنظر إلى لحظة تتوقف فيها الحرب، ولكن ما استطاع النظام تجنبه أو التخفيف منه طوال سنوات الحرب ظهر في الفترة الأخيرة بأقسى صورة، من دون أن يتمكن الروس أو الإيرانيون من فعل شيء، فتقوضت كل إجراءات النظام الاقتصادية وانهارت موارده أو انعدمت بشكل كامل، وطفا العجز على السطح من دون أي أفق للحل، وظهر الارتباك على وجه مسؤولي النظام وهم يقدمون تصريحات مضطربة، زادت من نقمة الشارع الذي تدنت قدرته على الشراء إلى مستوى لم يكن متوقعا. وفي اللحظة التي توقع فيها الروس أن عائدا اقتصاديا سيبدأ بالتدفق مع توقف الحرب، حدث العكس، فقد غرق النظام اقتصاديا، وهو قابع في قواعده العسكرية في حميميم أو طرطوس، ولم يعد لديه إلا الانتظار مع خيبة الأمل.
تمهيدا للحظة جني الأرباح، عقد الروس والإيرانيون معاهدات اقتصادية طويلة الأمد مع بشار الأسد الذي كان سعيدا بالتوقيع، وهو يعرف أن ثمن توقيعه سيكون مزيدا من العون العسكري. وتنظر كل من روسيا وإيران إلى أفق واسع من الريع الوفير الذي سيأتي مع بداية الإعمار، فوقعت وزارة الطاقة الروسية عقودا طويلة الأمد لاستثمار مناجم الفوسفاط في خنيفيس، وعقودا أخرى للاستثمار في بناء السكك الحديدية ومحطات الطاقة، وركزت أكثر على مصانع الإسمنت التي ستنتعش بقوة عند بدء عمليات البناء.
وبدا الجانب الإيراني مهتما بشبكات الهاتف المحمول والاتصالات. وأبدت الصين اهتماما بالسوق السورية، وبدأت بالتحضير للهجوم على القطاع الذي تفضله وهو النقل، ضمن مشروع إقليمي وعالمي كبير تخطط له الصين تحت اسم الحزام والطريق، تبني فيه طرقا سريعة وجسورا مربوطة بعضها البعض، تشغلها الصين وتتكفل بكل نفقاتها. وعلى الرغم من ماضي روسيا والصين الشيوعي، إلا أنهما ما زالتا تفكران بالربح، لكن رأس المال يبحث عن أرض مستقرة يستثمر فيها، وهذا غير متوفر في سوريا، فعلى الرغم من انخفاض حدة الحرب، إلا أن الاستقرار السياسي ما زال بعيدا، ما جعل أحلام الاستثمار والثروة تتبخر.
وبعد تردد ترامب في سحب قواته، من المتوقع أن يستمر الوجود الأمريكي مدة، بما يعني الإبقاء على معدلات التوتر، كما أن التمسك الإيراني بالجبهة السورية، وتمسك النظام بإيران، على الرغم من التباس الموقف الروسي من هذا التمسك، يجعل الفضاء السوري مشرعا لهجمات مستمرة ضد إيران. وهناك محاولات النظام السيطرة على منطقة إدلب الواقعة تحت سيطرة قوات معارضة قوية مدعومة من تركيا، تمنع أمريكا النظام من الاقتراب منها، كل هذا التوتر، مع تمسك النظام ببقائه في السلطة، يجعل الوضع الاقتصادي مرشحا للانحدار بشكل أكبر وأكثر خطورة، والوقت الذي يمضي يزيد الخناق الاقتصادي على رقبة النظام، الذي لن تنقذه تمثيلية هزيلة لإعادة انتخاب بشار.