كيف استقرت الكرة في شباك المعارضة
يقر الاتحاد الاشتراكي، عبر مكتبه السياسي أن التنسيق بين المعارضة اعترته «اختلالات وانزلاقات» في انتخابات الجهات والأقاليم، ويدعو في غضون ذلك إلى اجتماع اللجنة الإدارية منتصف الشهر القادم. وينبري حليفه الاستقلالي إلى تأكيد أن الموقف الذي سبق أن اتخذه مجلسه الوطني (برلمان الحزب) لا يزال ساريا، إلى حين اتخاذ ما يخالف ذلك، معلنا بدوره عن انعقاد المجلس في السابع عشر من الشهر القادم، في دورة عادية.
الموقفان يتقاطعان، أقله لناحية أن تداعيات الانتخابات البلدية والجهوية حركت سواكن الحزبين. وهذه هي المرة الأولى التي تستقر الكرة في ملعب المعارضة، بعد أن كانت أوضاع الائتلافات الحكومية تتأثر بالمسلسل الانتخابي إلى حد ما. وسواء تعلق الأمر باتجاه الحزبين المعارضين إلى الآن، وإن اختلفت مفاهيم درجات التعامل مع السلطة التنفيذية، نحو ممارسة النقد الذاتي لاستيعاب مظاهر الانتكاس التي شابت خطوات التنسيق، وانسحبت كذلك على النتائج، أو بترحيل الأزمة إلى ما بعد افتتاح الدورة التشريعية المقبلة، فإن مظاهر التنديد والتردد طغت على المواقف.
يعني ذلك في المقام الأول أن النتائج خالفت التوقعات الوردية، وإن لم يكن كذلك فقد أحدثت صدمة ثانية تماثل نتائج الاقتراع التشريعي للعام 2011. السؤال المحوري لا ينصرف فقط إلى تقييم ما حدث، بل يتعين أن يركز على الإجابة عن سؤال: كيف حدث ولماذا مني بالهزيمة حزبان كانا إلى عهد قريب يمثلان مركز استقطاب محوري في المشهد السياسي في المعارضة أو الأغلبية؟
في تحليلات وردت بعد الانتخابات التشريعية أن ما يعرف بالحراك العربي ألقى بظلاله على اتجاهات تصويت الناخبين المغاربة، وفهم من ذلك أن معركة الحزبين ستكون في صلب لملمة جراح الصدمة. ولولا الاعتقاد بأن العودة إلى صفوف المعارضة في وسعه أن يخلق زخما جديدا لناحية إعادة الاعتبار للحزبين التاريخيين، لما انسحب وزراء الاستقلال من الحكومة، ولما تمسك الاتحاد الاشتراكي برفض المشاركة فيها، ما أفسح المجال أمام التقدم والاشتراكية ثم تجمع الأحرار للالتحاق بالركب الحكومي.
الإشارات الموحية الصادرة عن قيادة الاستقلال حول إمكان تطليق المعارضة والاكتفاء بالمساندة النقدية لحكومة عبد الإله بنكيران، قد تكون لها خلفيات وحسابات، إلا أنها تلغي جدلية أن البقاء في المعارضة يعزز حضور الأحزاب. ففي أقل تقدير استطاع «العدالة والتنمية» أن يحقق مكاسب متدرجة، وهو يقود الائتلاف الحكومي. والحال بالنسبة لحزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال أنهما دفعا ثمن التدبير الحكومي، وإن بدرجات مختلفة، ما يدفع إلى الاعتقاد أن فرضية تعزيز الصفوف والحضور عبر المعارضة ليست صحيحة دائما، أو إنها تخالف المنطق السياسي الرائج.
هل المشكل قائم في اختيار صف المعارضة، أم في أسلوب إدارتها؟ فقد استطاع «العدالة والتنمية» الذي بدأ مساره في التحولات الجارية بالانضمام إلى مساندة تجربة حكومة التناوب الوفاقي، ثم عرج في اتجاه المعارضة إلى أن احتل مقاعد الصدارة. أي أنه استفاد إلى درجة كبيرة من وجوده في المعارضة، والحال أن استفادته لم تتأثر بعد أن غادرها إلى كراسي تحمل المسؤولية.
لا شيء ثابت في فرضية معادلة المعارضة التي يمكن أن تقوي الصفوف أو تضعفها، إلا أن تأثر حزبين تاريخيين كبيرين بهذه التطورات سلبا، إنما يفيد بأن الخلل يوجد في مكان آخر. وقد تكون له علاقة بنوعية الخطاب المتداول أو بحجم الرهان التنظيمي، أو بمدى القرب أو الابتعاد عما يوازي تطلعات الناخبين. وما من شك في أن الواقع يدفع إلى التأمل مليا في ما آلت إليه المستجدات الحزبية.
يزيد أو يتضاءل حجم الكتلة الناخبة في درجات الإقبال على صناديق الاقتراع من عدمها، لكن حضور الأحزاب يعكس مدى قدرتها على اقتطاع أجزاء من الكعكة. ولعل في الاستسلام لقاعدة أن ما من حزب أو تكتل يستطيع أن ينفرد وحده بالغالبية، شيء من الاعتقاد الذي بات قابلا للجدل. إن لم يكن في الظرف الراهن فعلى صعيد التوقعات المستقبلية، لأن الناخبين المغاربة في طريقهم إلى أن يتحولوا إلى كتلة ضاغطة، أكان ذلك عبر التصويت المستند إلى مرجعية حزبية أو في نطاق دعم التجربة السياسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
لا يمكن من الناحية المنطقية القول بانفراد المغرب بهكذا تجربة، من دون السعي إلى إغنائها وتطويرها، فالفائزون أو الخاسرون في أي استحقاق، إنما يخوضون نزالا يتجدد عبر مراحل، وبالقدر الذي كفل دستور العام 2011 للمعارضة مكانة متميزة في المشهد السياسي، بالقدر الذي تأثرت صورتها وتراجع بريقها.
في القاعدة أن الضربة التي لا تقتل تساعد في تلمس الحياة، وطالما أن التوازن السياسي يظل رهن قيام المعارضة بأدوار أساسية، فإن الكرة التي استقرت في ملعبها، باتت تفرض عليها الاستفاقة من الاسترخاء، إن لم يكن بهدف كسب مواقع جديدة، فأقله من أجل صون التوازن المطلوب.