سهيلة التاور
استطاع اللقاح الكوبي «عبد الله» دخول سباق اللقاحات ضد فيروس كورونا، بفضل فعاليته التي وصلت نسبتها إلى 92.28 في المائة. ولم يكن هذا الأخير هو اللقاح الوحيد الذي نجحت كوبا في تطويره، بل عملت أيضا على تطوير لقاح «سوبيرانا 2»، والذي أثبت فعاليته بنسبة 62 في المائة، بعد جرعتين من الجرعات الثلاث المطلوبة.
طورت كوبا لقاحا جديدا ضد فيروس كورونا وأطلقت عليه اسم «عبد الله»، كما حصل على موافقة المركز الحكومي لمراقبة الأدوية والأجهزة والأدوات الطبية، بعدما أنهى المرحلة الثالثة والأخيرة من التجارب التي خضع لها، وأظهر أنه فعال ضد «كوفيد- 19» بنسبة 92.28 في المائة. وفي تغريدة على «تويتر»، قالت مجموعة «بيوكوبافارما» التي يتبع لها «مركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية» إن «عبد الله، اللقاح الذي يطوره مركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية، يظهر فعالية بنسبة 92.28 في المائة بعد ثلاث جرعات».
وبدأت الاختبارات على لقاح «عبد الله» في النصف الأول من عام 2020، وتخطى المرحلتين الأولى والثانية من التجارب السريرية في يوليوز 2020، ووصل إلى مرحلة الاختبار السريري الثالثة في 18 مارس 2021. وتلقى حوالي 48 ألفا جرعتهم من لقاح «عبد الله» الاختبارية، وحصل المشاركون والمتطوعون على الجرعة الثالثة من اللقاح في 19 أبريل 2021.
ومن المتوقع أن يحصل، في أواخر يونيو الجاري أو مطلع يوليوز المقبل، على ترخيص رسمي من السلطات الكوبية باستخدامه.
ويعتمد لقاح «عبد الله» على تكنولوجيا وحدات «البروتين الفرعية» (ProteinSubunit)، وتشمل لقاحات الوحدات الفرعية فقط أجزاء الفيروس، التي تحفز الجهاز المناعي على أفضل وجه.
ويحتوي هذا النوع من لقاحات «كوفيد- 19» على بروتينات «الشوكة» (Spike) عديمة الضرر، وبمجرد أن يتعرف الجهاز المناعي إليها فإنه يصنع الأجسام المضادة وخلايا الدم البيضاء الدفاعية.
وبهذا يكون لقاح «عبد الله» بين أكثر لقاحات «كوفيد- 19» فاعلية في العالم، وفقا لبيانات من التجارب السريرية، مع معدل 95 في المائة للقاح «فايزر- بيونتيك Pfizer-BioNTech» الأمريكي- الألماني، و94.1 في المائة للقاح «موديرنا Moderna» الأمريكي، و91.6 في المائة للقاح «سبوتنيك- في Sputnik-V» الروسي.
سر تسمية «عبد الله»
هذه التسمية جاءت من قصيدة كتبها السياسي والصحافي والشاعر الكوبي الشهير من أصل إسباني، خوسي مارتي بيريز، وينظر إليه على نطاق واسع على أنه بمثابة «رسول الاستقلال الكوبي».
وتشير موسوعة «بريتانيكا» البريطانية، إلى أن مارتي يعد أحد الأبطال الوطنيين في بلاده، ورمزا للنضال من أجل استقلال كوبا عن المستعمر الإسباني، وخاض الكوبيون حربا ضد الاستعمار الإسباني، بدأت في العام 1895 واستمرت حتى 1898.
وكان مارتي معجبا بالحضارة الإسلامية رغم أنه لم يزر أي دولة عربية، لكنه كان شديد الإعجاب بالعرب، وعكس ذلك في أعماله التي يبلغ مجموعها 28 مجلدا.
وفي حديثه عن العرب، قال مارتي إنهم «كائنات رشيقة جذابة، تكون شعبا هو الأكثر نبلا وأناقة على وجه البسيطة». وألف مارتي مسرحية شعرية عام 1869، سماها «عبد الله»، ومن هنا جاءت تسمية كوبا للقاحها.
وعبد الله الذي تحدث عنه الشاعر الكوبي في مسرحيته، هو شاب قدمه الشاعر على أنه من «النوبة»، وأنه يناضل من أجل تحرير بلده، وكان مارتي يتحدث في أعماله عن عرب شاركوا الكوبيين في نضالهم ضد المستعمر الإسباني.
ومعروف عن «النوبة» أنها هي المنطقة الواقعة في جنوب مصر على طول نهر النيل حتى شمال السودان، وتقع معظم النوبة في السودان، ويقع ما يوازي 25 في المائة منها في مصر. وأشارت تقارير إلى أن عبد الله الذي ورد في أعمال خوسي من مصر، رغم أن المسرحية الشعرية لم تتضمن ذكرا لهذا البلد العربي.
وإلى جانب مسرحية «عبد الله» كان مارتي قد ألف أيضا ديوانا باسم «إسماعيل الصغير»، الذي هو أبو العرب، ابن إبراهيم (عليه السلام)، ويخص العرب بإشارات كثيرة فيه.
لقاح آخر
ليس لقاح «عبد الله» الوحيد الذي طورته كوبا، بل هناك لقاح آخر من إنتاج شركة الأدوية البيولوجية «بيوكوبافارما» كذلك، اسمه «سوبيرانا 2» وطوره معهد «فينلي للقاحاتInstituto Finlay de Vacunas». ولديه فعالية بنسبة 62 في المائة بعد جرعتين من الجرعات الثلاث المطلوبة، ومن المتوقع ظهور نتائج الجرعات الثلاث الكاملة في الأسابيع القليلة المقبلة. ويعتمد لقاح «سوبيرانا 2» أيضا على تكنولوجيا وحدات «البروتين الفرعية».
كوبا تعتمد على نفسها
اختارت كوبا عدم استيراد أي لقاحات أجنبية، على الرغم من أنها تواجه أسوأ تفش لـ«كوفيد- 19» في البلاد، بعد وصول عدد هائل من السلالات والمتغيرات الخاصة بالفيروس إلى البلاد.
وإذا حصل هذان اللقاحان على التراخيص كما هو متوقع، ستصبح كوبا أول دولة في أمريكا اللاتينية تطور لقاحات مضادة لـفيروس كورونا وتنتجها، على الرغم من الصعوبات التي يواجهها علماؤها بسبب الحظر الأمريكي المفروض عليها منذ عام 1962، والذي تم تشديده في عهد رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب. وبسبب هذا الحظر باشرت كوبا منذ الثمانينيات تطوير أدويتها الخاصة، وثمانية من اللقاحات الـ13 التي تستخدمها في حملة التلقيح، محلية الصنع.
وحددت الحكومة الكوبية هدفا يقضي بتلقيح 70 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 11.2 مليون نسمة بحلول غشت المقبل، على أن يتم تلقيح الجميع قبل نهاية السنة الجارية.
حجز مسبق للقاح الكوبي
سارع الرئيس الكوبي ميغيل دياز – كانيل إلى تهنئة بلاده على هذا الإنجاز. وفي تغريدة على «تويتر»، قال دياز – كانيل الذي تخضع بلاده لحظر أمريكي إن «علماءنا في معهد فينلاي ومركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية، الذين يواجهون جائحتين (كوفيد والحظر)، تغلبوا على كل الصعاب وأعطونا لقاحين فعالين للغاية، «سوبيرانا 2» و«عبد الله»».
وقال الرئيس الفنزويلي إنه من المتوقع أن تصنع فنزويلا مليوني جرعة من لقاح «عبد الله»، بحلول شهري غشت أو شتنبر المقبلين.
وبرزت التفاعلات حول اللقاح الجديد عبر وسم «Abdala»، حيث سارع المسؤولون إلى تهنئة الشعب الكوبي على هذا الإنجاز العلمي الكبير، في حين أمل المغردون في أن يكون هذا اللقاح إضافة في القضاء على جائحة كورونا.
وبدورها، أعلنت السلطات الفيتنامية أن هناك مفاوضات جارية بينها وبين كوبا لإنتاج لقاح «عبد الله»، ولكن ما زالت المفاوضات جارية لحين الاتفاق النهائي بين البلدين.
ومن جانبها، أعلنت فنزويلا أنها وقعت عقدا مع السلطات الكوبية على تصنيع لقاح «عبد الله» في الأراضي الفنزويلية، لتصبح أول دولة في العالم تقوم بتصنيع اللقاح الكوبي خارج أراضيه.
فنزويلا أول المستوردين
ضمن اتفاقية تضم توريد 12 مليون جرعة من لقاح «عبد الله» الكوبي، تسلمت فنزويلا الجمعة 25 يونيو الجاري الدفعة الأولى من هذا اللقاح، الذي ينتجه مركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية (CIGB) في الجزيرة الكاريبية.
وخلال استلام الشحنة الأولى من اللقاح الكوبي، أشادت «ديلسي رودريغيز»، نائبة الرئيس الفنزويلي، بالنتائج التي حققها اللقاح الكوبي عبر إعلان بلوغ نسبة فاعلية 92.28 في المائة خلال المرحلة الثالثة من التجارب السريرية.
وأعربت رودريغيز عن تهنئتها لكوبا بمناسبة الانتصار الدبلوماسي الذي حققته الجزيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تمثل بالرفض العالمي الساحق للحصار الذي تفرضه واشنطن على هافانا، ووصفت هذا الحصار بأنه «الأطول في تاريخ البشرية».
ونوهت رودريغيز إلى أن كوبا تقدم اليوم دروسا أخلاقية ومعنوية وعلمية وتكنولوجية للعالم في مواجهة تأثير الإجراءات القسرية الأحادية؛ مؤكدة أن البلدين يسيران في نهج الزعيمين التاريخيين فيديل كاسترو وهوغو تشافيز بأن علاقات التكامل والتضامن لا يمكن فصلها عن بعضها.
وبدوره أكد داغوبيرتو رودريغيز، سفير كوبا في فنزويلا، أن اتفاقية توريد لقاح «عبد الله» إلى فنزويلا تدل على عمق العلاقات بين البلدين، وأضاف: «في كل زجاجة ينعكس شعور الأخوة والتضامن».