قمة إدارة الخلافات
الخسائر العسكرية الروسية بأوكرانيا من بين عدة أسباب جعلت القمة الأمريكية الصينية تنعقد في أجواء تميل إلى التفاهم، رغم التوتر العالي بين البلدين، منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض. وجاءت الصين، التي تعتبرها الولايات المتحدة أكبر تهديد استراتيجي، إلى القمة، وهي ترى بوادر خسارة الصديق الروسي، الذي كانت تراهن عليه ليحمل قسطا من عبء المواجهة بعيدة المدى مع الولايات المتحدة اقتصاديا وأمنيا وسياسيا.
وفي هذه الأجواء من الحسابات المطبوعة بالحذر، وجد الطرفان نفسيهما على طاولة المفاوضات، وهما يتوخيان نتائج واقعية، بما يخفف من حدة الخلافات، وعدم التصعيد للذهاب إلى مواجهة عسكرية في تايوان. وهذا أيضا درس آخر من بين نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث فضل الرئيس الروسي، بدلا من حل الخلافات مع أوكرانيا بالحوار، إرسال جيوشه إلى هناك، لتتكبد خسائر فادحة، فيما كان طموحه أن يحتل أوكرانيا ويغير نظام الحكم فيها، لتكون رأس جسر له نحو بلدان أوروبية أخرى، كانت في عداد دول الاتحاد السوفياتي.
وانعقدت القمة بين بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ في جو من التوتر بين البلدين، ساد العلاقات خلال هذه السنة بسبب تايوان، وبلغ ذروته في غشت الماضي، حينما تحدت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، بكين، ولم تكترث بتهديداتها وزارت تايوان.
ورغم أنها كانت قد توعدت بتصعيد الموقف، امتصت الصين التداعيات والاستفزازات الأمريكية المتكررة. ومن دون شك، يعود القسط الأكبر من سلوك التهدئة الصيني إلى الاستفادة من دروس حرب أوكرانيا، فبعد أن كانت بعض السيناريوهات ترجح أن الصين ستحذو حذو روسيا، وتغزو تايوان عسكريا، غير عابئة بالتهديدات الأمريكية، صار واضحا أن بكين أسقطت هذا السيناريو من حسابها، وباتت تميل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة.
تدرك واشنطن حساسية الموقف مع بكين. لذلك وضعت ما يشبه خريطة طريق ترسم خطوطا عريضة للحوار على أساس إدارة الخلافات، وإنشاء بعض الحواجز الوقائية لمنع تحول المنافسات والنزاعات العديدة بين البلدين من التصعيد إلى صراع أوسع، وعملت على تحقيق نوع من الانفراج، على غرار وصف بايدن البلدين بالسفن التي يجب أن تبحر معا في رياح المحيط والأمواج من دون الاصطدام. وكالعادة، وكما جرى في القمة الافتراضية في نونبر 2021 بين الرئيسين، فرقت واشنطن بين القضايا التي صنفت بعضها أنه يخضع للتنافس وأخرى للتوتر، وحددت المسائل الرئيسية بالوضع في كوريا الشمالية وتايوان والملاحة في بحر الصين، وفي إطار توجهها للوصول إلى نتائج عملية وإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، أعربت عن دعمها سياسة الصين الموحدة، ووقوفها ضد السياسات الأحادية في مضيق تايوان. والإيجابي هو اتفاق الطرفين على آليات تنتج نظاما للتنافس، على عكس ما جرى في القمتين السابقتين الافتراضيتين، بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس الصيني، وبين بايدن والرئيس الصيني. وكان ذلك مؤشرا صريحا إلى تباعد المواقف، وفي حينه أصدر الجانبان بياناتهما الخاصة، حيث أكد كل منهما على نقاط الخلاف القائمة منذ مدة طويلة. وكانت بمثابة عرائض من المظالم المتبادلة التي لم توفر سوى مساحة صغيرة للتسوية. ومن هنا، فإن اتفاق القمة على لجنة متابعة يعد إنجازا مهما على طريق إدارة الخلافات، التي ستكون كارثية على العالم، في حال لم يُسلك سبيل الحكمة.
بشير البكر