نشر المجلس الأعلى للحسابات، الأربعاء الماضي، تقريره السنوي برسم سنة 2018، وهو التقرير الذي تضمن توصيات وخلاصات المهمات الرقابية التي همت أيضا مراقبة تسيير المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية لسنة 2017 وما قبل. لكن رد المكتب الذي نشر رفقة تقرير مجلس جطو أكد أن أغلب ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات، لم تكن منحصرة على تسيير المكتب بل تعدته للسياسة العمومية في مجال السلامة الصحية. هذه الأخيرة تشمل متدخلين آخرين في عملية المراقبة غير المكتب، موضحا أن مجموعة من الملاحظات لا تدخل في أي حال من الأحوال ضمن تدبير المكتب ولا ضمن اختصاصه، خاصة في أعلى السلسلة الغذائية، مثل المجازر وأسواق الجملة والرياشات والمطاعم الجماعية.
وأكد وزير الفلاحة في رده أن خمسة من بين هذه التوصيات التسع تم أخذها بعين الاعتبار أو برمجتها في خارطة طريق المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، غير أن أربع توصيات لا تهم المكتب والوزارة لوحدهما. ويواجه أونسا مجموعة من الصعوبات بسبب تداخل المسؤوليات، خصوصا في ما يهم التسويق، إذ يواجه عمل المكتب مجموعة من المعيقات بسبب مسؤولية المراقبة المشتركة مع مجموعة من الجهات وعلى مستويات متعددة وبمقاربات مختلفة تخلق تداخلا في الاختصاصات. وتتمثل هذه التداخلات في وزارة الصحة التي تتدخل عبر مديرية الأوبئة ومكافحة الأمراض لتتبع الأوبئة والتصريح بالتسممات الغذائية الجماعية والأمراض التي لها علاقة بالتغذية، وعبر وزارة الداخلية التي تتدخل على المستوى المحلي عبر المكاتب الصحية بالعمالات، وأقسام الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على تدخل الجماعات المحلية على مستوى نقط البيع والمطاعم الجماعية، مع العلم أن الاعتماد أو الترخيص الصحي لنقط البيع والمطاعم الجماعية يجب أن يمنح من طرف الجهات المعنية على أساس تقرير للجنة مختلطة يضم الرأي الصحي للمكتب، إلا أنه لا يتم أخذ رأيه دائما بعين الاعتبار. وحسب رد المكتب دائما على ملاحظات مجلس جطو، فإن الجماعات المحلية لا تلتزم بالضرورة بالشروط المفروضة من طرف القانون رقم 07-28 والتي تنص على إلزامية الرأي القبلي للمكتب في ما يخص الحصول على رخص استغلال الرياشات، والمحلبات، والمجازر، والمسالخ البلدية، ونقط البيع بالتقسيط والمطاعم الجماعية.
استقلالية أونسا عن سلطة الوصاية
جسد قضاة جطو أن وصاية وزارة الفلاحة على أونسا مشكل يقتضي أن يرقى إلى مستوى الملاحظات والتوصيات، معتبرين أن وزارة الفلاحة وضعت المخطط الأخضر الذي قد يتعارض مع ممارسة المكتب لاختصاصاته. لأن الرفع من المردودية الإنتاجية الذي يعتبر أحد أهداف المخطط تتعارض، حسب التقرير، مع مراقبة مجموعة من المواد، لكن المكتب رد بأن استقلالية المكتب تتمثل في مجموعة من التدابير، في حين أن وصاية وزارة الفلاحة على المكتب أمر معمول به في مختلف دول العالم. وأَضاف “أونسا”، وفق ما جاء في تقرير جطو، أن هناك أمثلة عالمية مماثلة لنفس نمط الوصاية، كاشفا عن الجوانب الإدارية لاشتغاله والتي تمنحه استقلالية في اتخاذ جملة من التدابير والقرارات.
من جانبه، اعتبر وزير الفلاحة في رده المتضمن في التقرير أن وصاية وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات على المكتب الوطني للسلامة الصحية للمواد الغذائية لا تؤثر على حياد واستقلالية رأي وقدرات هذا المكتب، موضحا أن استقلالية مصالح المراقبة الصحية للمواد الغذائية تعد أهم أسباب إنشاء المكتب كمؤسسة عمومية، كما يندرج إنشاء هذا المكتب في إطار سياسة إرادية حقيقية لتطوير مجال المراقبة الصحية للمواد الغذائية.
وأضاف الوزير في رده أن المفتشين والمراقبين التابعين للمكتب يتوفرون على الاعتمادات والسلط التي تؤهلهم لتطبيق القوانين المعمول بها ويبقون مسؤولين جنائيا عن ذلك. علاوة على أنه يتوجب عليهم المحافظة على القواعد الأساسية المتعلقة بالاستقلالية والحياد والاستقامة كما توصي بذلك المنظمات العالمية المختصة .OIE-CIPV-FAO
مراقبة استعمال المبيدات
وفي ما يخص مشكل استعمال المبيدات، كشف أونسا أنه يقوم بتنزيل برامج المراقبة والرصد لبقايا المبيدات بالخضروات والفواكه سواء على مستوى أسواق الجملة أو وحدات التوضيب والأسواق الكبرى بمختلف جهات المملكة. وأضاف المكتب أنه على الرغم من أن الجماعات المحلية هي من تقوم بتسيير هذه الأسواق، فضلا عن أن تنظيمها الحالي لا يضمن إمكانية تتبع مسار المنتجات المعروضة للبيع، فإن المكتب يقوم بوضع برنامج مراقبة يعتمد على أخذ عينات على مستوى المزرعة وأسواق الجملة. كما يقوم المكتب بتنظيم حملات تحسيسية لفائدة البائعين والمهنيين بسوق الجملة عن طريق توزيع مطويات حول الشروط الصحية لتسويق الخضر والفواكه. ومن أجل التغلب على مشكل تتبع المسار، قام المكتب، ابتداء من 2018، يضيف الرد، بوضع برنامج للرصد والمراقبة الصحية للمنتجات الغذائية الأولية بالاستغلاليات، حيث تمت مباشرة هذا البرنامج بمزارع النعناع بالمناطق الأكثر إنتاجية. وأظهرت التحليلات التي خضعت لها عينات من النعناع، عدم مطابقتها للمعايير والنسب المسموح بها واستعمال منتجات مبيدات غير مرخصة على زراعة النعناع. وبناء على هذه النتائج، تم تحرير محاضر المخالفات وإرسالها إلى النيابة العامة. وستتم مواصلة هذا المخطط إلى حين تقويم الوضعية. وسيتم اتباع نفس الإجراءات بخصوص سلاسل أخرى لتمكين المستهلك من الحصول على منتوج سليم. وإذ يوصي قضاة جطو بتعزيز الرقابة على المدخلات الكيميائية، فإن رد أونسا يؤكد أنه فيما تم اتخاذ مجموعة من التدابير في عام 2018 مثل اعتماد مسطرة مراقبة ملائمة لهذا النشاط وكذا تدريب مفتشي المكتب حول هذه الإجراءات. إضافة إلى عملية إحصاء الموزعين وتسجيلهم ونشرها على الموقع الإلكتروني للمكتب، حيث إن الشركات المرخصة لاستيراد المبيدات الزراعية سوف يكون لها الحق في البيع فقط لبائعين والموزعين المعتمدين.
وبهدف تعزيز الترسانة القانونية والمراقبة، تم اقتراح مشروع قانون رقم 34-18 الخاص بالمبيدات الزراعية، الذي في طور المصادقة عليه. ويضم المشروع معايير جديدة للحصول على الاعتماد مماثلة لتلك المطبقة بالدول الأوربية، مع فرض مبدأ الشهادة الفردية التي تثبت مؤهلات العاملين والكتيب المرجعي لطريقة تدبير إعادة البيع في مجال السلامة وصحة المحلات.
منتجات الدواجن وإشكالية «الرياشات»
هي «نقطة سوداء في هذا القطاع، حيث أن عمليات المراقبة التي يقوم بها المكتب لهذه المنتجات تظل غير كافية»، هكذا دبج قضاة جطو ملاحظاتهم بخصوص مشكل «الرياشات»، مطالبين بإيجاد حلول لهذه الإشكالية حتى تتلاءم وضعية هذه الوحدات مع المقتضيات القانونية، إما عبر إعادة تأهيلها أو إيقاف أنشطتها إذا لزم الأمر. لكن إيقافها ليس من اختصاص المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، حيث أكد مدير أونسا، في رده المتضمن في التقرير، أن هذه الأماكن ترخص من طرف الجماعات دون الحصول على الرأي الصحي للمكتب، بالرغم من أن القانون ينص على أن منح مثل هذه التراخيص يتم على أساس تقرير للجنة مختلطة يضم الرأي الصحي للمكتب؛ لكن ورغم إلزامية هذا الإجراء إلا أنه لا يتم أخذه بعين الاعتبار.
من جانبها، انخرطت وزارة الفلاحة كليا في خلاصة المجلس الأعلى للحسابات، والتي تنص على إيجاد حلول لهذه الإشكالية، بحيث تكون وضعية هذه الرياشات مطابقة للقوانين وذلك عبر تأهيلها أو غلقها. ويضيف رد الوزارة أن ترخيص هذه الرياشات يجب أن يخضع لرأي لجنة مختلطة، مع ضرورة أن يكون المكتب طرفا فيها وذلك طبقا للقوانين الجاري بها العمل. ويساهم حاليا المكتب الوطني للسلامة الصحية للمواد الغذائية بجانب المتدخلين في هذا القطاع (وزارة الداخلية والفدرالية البيمهنية للدواجن ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الفلاحة) في تحديد دفتر تحملات خاص لتأهيل الرياشات أو تحويلها الى نقط بيع لحوم الدواجن التي تنتجها مجازر الدواجن المعتمدة. وفي هذا الصدد، فقد تم نشر دورية مشتركة.
مجازر المملكة أو عندما تفرق دمها بين القبائل
للحوم البيضاء كما الحمراء أعطاب شخصها قضاة جطو في السياسة العمومية، إذ كشف المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير عن وجود مشكل يهم تدبير المجازر بالمملكة، وعلى الرغم من أن الأصابع قد تتجه في البداية للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، لأنه المؤسسة التي خضعت للمهمة الرقابية، لكن سبب المشكل يرجع إلى المتدخلين في عملية تدبيرها منها الجماعات المحلية، حسب ما جاء في رد المكتب على ملاحظات مجلس جطو. وأكد رد أونسا على أن الجماعات المحلية لا تلتزم بالضرورة بالشروط المفروضة من طرف القانون رقم 07-28 والتي تنص على إلزامية الرأي القبلي للمكتب في ما يخص الحصول على رخص استغلال الرياشات، والمحلبات، والمجازر، والمسالخ البلدية، ونقط البيع بالتقسيط، والمطاعم الجماعية. لكن، وعلى الرغم من ذلك قام أونسا وبناء على التقييم الذي قام به، بوضع برنامج لتعليق التفتيش بالمجازر والمسالخ التي لا تتوفر على الشروط الدنيا للسلامة الصحية. وهو المخطط الذي هم عمالات مكناس والجديدة وبني ملال التي تتوفر على مجازر معتمدة يمكنها تزويد ساكنة هذه المناطق باللحوم، حيث تمت فعلا مراسلة الجماعات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة في أفق تعليق التفتيش البيطري بالمجاز التي لا تستجيب لمعايير السلامة الصحية. وهو القرار الذي سبق وأن حصل على دعم المجلس الإداري لأونسا المنعقد في 4 يوليوز 2019 لأنه يصب في إطار تعزيز حماية المستهلك.
فعالية النظام الوطني لليقظة الصحية
في الوقت الذي اعتبر قضاة جطو أن المكتب لا يقوم باستباق وقوع المخاطر بسبب النقص في الإمكانيات، وكذلك لعدم توفره على نظام لجمع المعلومات، يمكنه من رد فعل سريع وفعال في حلات الخطر (الإنذار المبكر)، حيث يقوم المكتب، بصفة عرضية بمسوحات مصلية enquêtes( (sérologiques ، لمعرفة مدى انتشار بعض الأمراض الحيوانية أو الكشف عن وجود أمراض نادرة أو ناشئة..، رد المكتب بأنه يتوفر منذ سنوات، على نظام لرصد ومراقبة الحالة الإبديميولوجية معترف به من خلال الوضعية الصحية المقدمة للمغرب من طرف المنظمة العالمية للصحة الحيوانية (OIE).. وتابع مدير المكتب في رده بأنه تم وضع عدة مستويات للرصد تتوزع ما بين المراقبة المستمرة للحالة الصحية للقطيع تقوم بها المصالح البيطرية الإقليمية والأطباء البياطرة الخواص؛ والقيام بتقصيات مصلية محددة في الزمن، وذلك من أجل تحديد نسبة الإصابة بالأمراض الحيوانية المتواجدة داخل التراب الوطني، والكشف عن سيران محتمل لفيروس ما، وكذا من أجل تقييم فعالية حملات التلقيح، موضحا بأنه تم القيام بمجموعة من التقصيات الوبائية المصلية لمراقبة بعض الأمراض الحيوانية كطاعون الخيليات (2006،2012،2014،2016) والحمى القلاعية (2003، 2009،2014،2015،2017)، طاعون المجترات الصغيرة (2008،2009،2012،2014) وحمى الوادي المتصدع (2011)، والحمى المالطية (2011) ومرض اللسان الأزرق (2006) والسل لدى الأبقار (2003/2004). واعتبر أونسا في رده بأن ظهور مرض الحمى القلاعية الذي أصاب الأبقار سنة 2019، أبان عن مدى فعالية النظام الوطني لليقظة الصحية وكذا تدخلات المكتب، مما مكن من تدبير سريع للمرض. وأكد أنه تمكن من القضاء على بعض الأمراض الرئيسية مثل مرض طاعون الخيليات، ومن الحفاظ على وضع بلد له برنامج مراقبة للحمى القلاعية معتمد من طرف المنظمة العالمية للصحة الحيوانية بالرغم من أن هذا الوضع تم سحبه لبلدان مجاورة أخرى من قبل نفس هذه المنظمة بعد ظهور مرض الحمى القلاعية في بلدان المغرب العربي سنة 2014. وأضاف أن الاستراتيجية التي اعتمدها المكتب في ما يتعلق بمراقبة الأمراض الحيوانية وتنفيذ برامج المكافحة التلقيح، التدابير الصحية، القوانين المنظمة، تنظيم المصالح البيطرية، تستجيب عموما لتوصيات المنظمة العالمية للصحة الحيوانية في هذا المجال.
مجهودات جبارة رغم نقص الموارد المالية والبشرية
كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن أونسا يعاني من خصاص وأوصى فعلا بتوفير الموارد البشرية والمالية والتجهيزات الكافية للمكتب من أجل ممارسة كامل اختصاصاته وأداء واجباته القانونية وذلك بموجب برنامج تعاقدي مع الدولة. وأكد أونسا في رده أنه سجل انخفاضا لهذه الموارد بنسبة %26 في الفترة ما بين 2010 و2018. وفي هذا السياق، وارتباطا بنسبة التأطير وقياسا على مجموعة من الدول التي تتوفر على نفس مستوى التنمية بالمغرب، تم تحديد احتياجات المكتب من الموارد البشرية بـ 1900 مستخدم. وعلاوة على ذلك ورغم قيام المكتب بمجهودات جبارة على مجموع التراب الوطني من خلال التأطير والمراقبة الصحية على طول السلسلة الغذائية، فإن عدة أقاليم تبقى غير متوفرة على الموارد البشرية الكافية، يضيف المكتب في رده. كما انخرطت وزارة الفلاحة في توصية المجلس بخصوص تزويد المكتب بالموارد البشرية والمالية والمادية الكافية لممارسة صلاحياته المتعددة والتزاماته القانونية بموجب عقد برنامج مع الدولة، حيث كشفت أنه تمت بلورة استراتيجية تهم المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية. وسيتم تتويج هذه الاستراتيجية بعقد برنامج بين الدولة والمكتب لتمكينه من القيام بمهامه كاملة.
نقطة ضوء
وعلى الرغم من ضعف الموارد البشرية والمالية، فقد أبانت الموارد البشرية للمكتب عن روح كبيرة في التفاني، حيث نجحت للسنة الثانية، في كسب رهان عيد الأضحى، حيث مرت هذه الشعيرة المهمة لدى المغاربة في ظروف جيدة، دون تسجيل أي شكاية بخصوص تعفن الأضاحي. وجاء هذا النجاح نتيجةً للعمل المستمر والجهود المبذولة من طرف مصالح المكتب، على طول السنة، لضمان مرور أجواء العيد في أفضل الظروف، بدءًا بالتوعية والتحسيس وترقيم الأضاحي ثم المواكبة والتفاعل مع التساؤلات.