قصة جاسوس نتنياهو
ميساء المصري
اليوم مع وقوفنا على أبواب الحرب السيبرانية والغرق في تقنيات التجسس الإلكتروني، باتت أحوالنا شاشة واضحة للجميع. وفي زمن الجيوش الإلكترونية بات رأيك ساحة حرب، وبالحديث عن الساحات ندخل ساحة نتنياهو التي يبدو كما صرحت صحيفة «هآريتس» أن الجواسيس يكتسحونها. وهذا يذكرنا بطرفة حقيقية حول وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، الذي طالب بالتحقيق في ظهور كلمة جاسوس عند البحث عن اسمه في محرك «غوغل»، حيث تظهر في المرتبة الأولى أو الثانية كلمة جاسوس. ويرى أن هذا الأمر مدبر، وأن محرك البحث يتم التلاعب به كي ينشر «الشائعات» عنه.
وبعيدا عن الشائعات كشف الإعلام الصهيوني أنه تم السماح بنشر قضية أمنية خطيرة، عن جاسوس في مكتب رئيس الوزراء، متهم بالجوسسة هو السكرتير العسكري السابق «يوحانان لوكر»، الذي اختاره نتنياهو بعينه لهذا المنصب الحساس.
وللعلم فإن الجاسوس يوحانان لوكر من مواليد القدس سنة 1958، وصل الى رتبة ألوف وهي رتبة تعادل ميجور جنرال في جيش الكيان الإسرائيلي. وكان ملحقا عسكريا لنتنياهو، كما شغل منصب نائب قائد سلاح الجو الإسرائيلي. وتم تعيينه لدراسة ميزانية الجيش الإسرائيلي والتي وصفت وقتها بالكارثة. وكان ضمن فريق تفاوض سري بين نتنياهو والأسد بشأن الجولان، مقابل التخلي عن إيران، لكن أحداث سوريا ألغت التفاوض المزعوم.
معلومات سرية تفيد بأن يوحانان كان من المقربين جدا إلى نتنياهو، ومطلعا على أخطر الأسرار العسكرية في الدولة العبرية وكذلك أسرار نتنياهو، مما أثار الشكوك حول توقيت الإعلان عن تجسسه، ومدى الاستفادة سياسيا من هذه التهمة المنسوبة إليه. والتي تعد خرقا لأجهزة الأمن الصهيونية، سيما في مكتب رئيس الحكومة أو ربما الموساد أو شبكة أمان الاستخبارتية أو حتى الشاباك..
المتتبع للأحداث الصهيونية في مكتب نتنياهو، يجد أنه قد تم وضع اسم (الجنرال يوحانان لوكر) في قضية مهمة في 2012، أثارت غضب نتنياهو بسبب اختراق وتسريب معلومات من ديوان رئيس الوزراء الصهيوني. وقد تم فتح تحقيق في القضية التي تفجرت، عندما طالب نتانياهو الشاباك الخاضع لسلطته بالتحقيق فى عدة تسريبات أمنية وسياسية حساسة لوسائل الإعلام. فى موضوعين حساسين، الأول نشر مكالمة أجراها نتانياهو مع رئيس وزراء روسيا، فلاديمير بوتين، طلب خلالها نتانياهو ألا تزود روسيا سوريا بصواريخ أرض- جو ذكية من نوع «S300»، أما الموضوع الثانى فهو تسريب معلومات حول تفاهم أمريكي إسرائيلي بخصوص إيران.
وقام الشاباك بإخضع كبار مستشارى نتانياهو الـ6 لفحص بجهاز كشف الكذب «البوليجراف» حول التسريبات الحساسة المذكورة، ومنهم السكرتير العسكرى المايجر جنرال (يوحانان لوكر).
وقد تم وقتها اتهام المستشار الإعلامي للحكومة نيرحيفتس، ثم اتهام سكرتير الحكومة تسفي هاوزر، ليثبت في ما بعد اتهام مستشار الأمن القومي سابقا عوزي آراد. والذي صرح أن نتنياهو يسعى إلى الإجهاز عليه سياسيا ويميل إلى الكذب ويجبر موظفيه على ذلك، أمثال مستشار نتنياهو العسكري يوحانان لوكر، الذي يتواطأ على الموظفين لصالحه.
فهل يعني ذلك أن مكتب نتنياهو ملغم بالجواسيس وأنه فاقد للسيطرة عليه، أم أنها تصفية حسابات سياسية، أم أن الأجهزة الأمنية الصهيونية تفتقد الولاء والانتماء؟
دعونا نتتبع سيرة هذا الرجل يوحانان المتهم بالجوسسة، لعلنا نجد ما يثير الاهتمام، وربما أول الغيث أن (الجاسوس) كان ضمن أعضاء السفارة الإسرائيلية في مصر المحتجزين من قبل الثوار المصريين وقت الثورة، قبل إنقاذهم من قبل الكوماندوز المصري، ووقتها تدخل نتنياهو شخصيا وأبلغهم أن إسرائيل تضع كافة إمكاناتها وجهودها من أجلهم، وحرص على إخفاء وجوههم حتى لا يتعرف عليهم أحد، وشاهد نتنياهو على الهواء مباشرة عبر الكاميرات في السفارة عملية الإنقاذ. مما يعكس أهمية هذا الشخص لدى نتنياهو، خاصة أن تفاصيل عملية الإنقاذ ما زالت سرية حتى الآن.
والملفت أيضا أن الملحق العسكري السابق لنتنياهو في 2011، صدرت بحقه مذكرة اعتقال بصفته مجرم حرب لمشاركته في مجزرة «الرصاص المصبوب» ضد قطاع غزة، نهاية عام 2008، وتورطه في ذبح العديد من المدنيين الفلسطينيين. حين شغل منصب نائب قائد سلاح الجو الصهيوني، ولذلك امتنع نهائيا عن مرافقة نتنياهو في زياراته إلى بريطانيا، خوفا من الاعتقال.
إضافة إلى أن يوحانان عبر لجنة لوكر قام بوضع أسوأ قانون يخص جيش الكيان، بعد استلامه لميزانية الدفاع. كذلك قام بتسريح آلاف الضباط المهنيين، وتخفيضات كبيرة في المعاشات التقاعدية السخية، وتقليل فترة الخدمة الإلزامية للرجال إلى 24 شهرا، بدلا من 36 شهرا.
رغم أن ميزانية الدفاع ازدادت بشكل تقليدي بملايين الشواكل سنويا، مع ضخ أموال خارج الميزانية الرسمية – مما أثر على قدرات جيش الكيان، ووصف عمله بأنه «رصاصة بين عيني الجيش الإسرائيلي» وخطة «ملائمة لسويسرا»، وليس للكيان.
وأخيرا قبل أسابيع رفض الجنرال يوحانان لوكر عبر رئاسته لشركة «كلاليت للتأمين الصحي»، التعاون مع الصينيين في أزمة كورونا، رغم رغبة نتنياهو التقرب من بكين، بالرغم من الضغط الأمريكي على تل أبيب للتراجع عن علاقتها الناشئة مع بكين. وهذا الرفض من قبل يوحانان جاء معترضا على وصول الصين إلى قواعد البيانات الحساسة عن العملاء الإسرائيليين، مما أثار جدلا حادا بين الجنرال يوحانان ووزير الصحة ونتنياهو وأعضاء الكنيست المعارضين، مما يكشف عدم وجود إجماع داخل القيادة الإسرائيلية، والجدل الحيوي والانتقادات الحادة للتعاون الإسرائيلي مع الصين، بصورة أصبحت أكثر حدة من أي وقت مضى، مصحوبة بالضغوط الأمريكية وقضايا الخصوصية، والخوف من ضعف كيان إسرائيل، واعتماده على الصناعة الصينية التي تسيطر على 15 في المائة من اقتصاد الكيان الصهيوني، مما يشكل تهديدا وجوديا لأمن إسرائيل.
خلاصة القول إن كبار موظفين الكيان تحت المجهر دائما، ويجرى التنصت على هواتفهم المحمولة والأرضية في البيت، والجميع يخضعون لفحوصات بجهاز الكشف عن الكذب. وهم عرضة لانتقادات صحافيين بعينهم، مع استشراء الخصومات داخل المؤسسة الحاكمة، في «حرب شخصية قذرة» على النفوذ والتصفيات، لا يهم خلالها تلطيخ سمعة بعضهم أو اتهامات عبر عمليات تزوير وتسريبات مغرضة.