في كتاب «القوة = Power» لروبرت غرين، (ترجم إلى العربية بعنوان: كيف تمسك بزمام القوة)، يضع 48 قاعدة في لعبة السلطة، وأول قاعدة تقول: لا تلمع أكثر من سيدك. ومن أطرف القصص تلك التي رواها عن وزير المالية الفرنسي الأسبق «نيقولا فوكيه»، الذي طمح إلى منصب رئيس الوزراء، بعد اختفاء «جول مازاران» عام 1661م، فدعا الملك «لويس الرابع عشر» إلى حفلة ملوكية في قصره الذي افتتحه لأول مرة، ونام فوكيه تلك الليلة على الأحلام الوردية. ولكن في الصباح اقتحم منزله جنود الحرس الإمبراطوري فاعتقلوه، وقضى بقية عمره في زنزانة موحشة في سجن بعيد في جبال البيريني. ويروي «فيلبي» عن نهاية حركة «الإخوان» في السعودية: «لقد كان خلق ابن سعود لحركة «الإخوان» سنة 1912م ضربة معلم عبقري، لا يوازيها غير تصفيته لهذه الحركة بعد ثمانية عشر عاما، حينما ثبت لديه أنها لم تعد إلا عقبة كأداء في سبيل استقرار الأوضاع، التي بناها بطول صبر وجهد. فلقد كان يمكن لهذه الحركة التي أوجدها ابن سعود من العدم أن تدمره وتنهكه، لو لم يبادر هو إلى تدميرها».
وهذه القصة ليست خاصة بمكان، بل هو قانون إنساني يسري على جميع الحركات الاجتماعية.
فالسلطان محمود الثاني عندما حاول التخلص من الإنكشارية عام 1808م، هجموا على السرايا الحكومية وقتلوا الصدر الأعظم وأشعلوا العاصمة نارا، فأذعن لطلباتهم حتى جاءت نهايتهم عام 1826م، فحصدهم بالمدفعية على يد قره جهنم.
ومن قبل تتكرر القصة بين أبي مسلم الخراساني وأبي جعفر المنصور، فالأول بنى الدولة العباسية بالدم والتجسس وحسن التنظيم، والثاني أخذ الثمرة حتى إذا نازعه فيها نزع روحه.
والسيناريو نفسه جرى مع الأحزاب المعاصرة، سواء الإخوان المسلمين أو البعث؛ فحسن البنا أنشأ التنظيم المسلح السري الخاص برئاسة السندي، فلما طلبه في بعض الشأن، قال: على البنا أن يراجعني. والسندي لا يزيد على نبتة زرعها وغذاها حسن البنا.
وميشيل عفلق وصلاح البيطار كانا من مؤسسي حزب البعث، فأما الأول فسقط صريعا في باريس برصاص الرفاق، وأما الثاني فحكمه الرفاق بالإعدام، حتى آواه صدام المصدوم فلم تر عينه انهيار البعث مثل بيت من الملح.
وهذه القصة تكررت في سيناريو الترابي وعسكر السودان، فكل حصان قابل للترويض إلا الحصان العسكري فإنه يجمح براكبه فيدق عنقه، هكذا جاءت أخبار الانقلابات ووقائع التاريخ.
وعندما جاء هتلر إلى السلطة عام 1933 أقسم له الجيش البروسي، ولكن «روهم RUHEM»، قائد الميليشيات العسكرية، لم يستوعب هذه الحقيقة، ولما تمرد، قام هتلر بتصفيته فقتله بيده.
فهذه هي حكمة العسكريين الأولى التي يجب تلاوتها بتدبر من كتاب ميكيافيلي «الأمير»: على الحاكم أن يكون ماكرا كالثعلب، دمويا كالنمر، وعليه أن يقتل بدون تردد.
وقصة الرشيد والبرامكة من قبل فيها عظة وعبرة، وكتب فيها ابن خلدون في المقدمة، مكتشفا القانون النفسي نفسه. فقال: «وإنما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال، فلا يصل إليه، فغلبوه على أمره وشاركوه في سلطانه، حتى أسفوا البطانة واحقدوا الخاصة، فدبت إلى مهادهم الوثيرة عقارب السعاية، فثل عرشهم وخسفت الأرض بهم، ومن استقصى سير الدولة وسيرهم، وجد ذلك محقق الأثر ممهد الأسباب». ويخلص إلى هذه النتيجة عالم الاجتماع العراقي «علي الوردي»، في كتابه «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث»، فينقل عن الملك عبد العزيز مع الإخوان أنه كان يقول لهم: «إخواني المشايخ أنتم الآن فوق رأسي، تماسكوا بعضكم ببعض، ولا تدعوني أهز رأسي فيقع بعضكم أو أكثركم، وأنتم تعلمون أن من وقع منكم على الأرض، لا يمكن أن يوضع فوق رأسي مرة ثانية. مسألتان لا أسمع فيهما كلام أحد، لظهور فائدتهما لي ولبلادي، وليس هناك من دليل من كتاب الله أو سنة رسول الله (ص) يمنع من إحداثهما: اللاسلكي والسيارات». وكان الإخوان يظنون أن الشيطان ينقل الخبر عبر أسلاك التلغراف. لكن بدون فائدة حتى وقعت الواقعة وحكم السيف؛ ففي موضع يقال له السبلة إلى الشرق من بريدة في 30 مارس من عام 1929م، دارت معركة طاحنة، بعد أن ثار الإخوان ومعهم خمسة آلاف مقاتل، فهزموا.
ويعلق «الوردي» على واقعة السبلة بقوله: يدل التاريخ على أن معظم بناة الدول يقتلون من يساعدهم في بنائها، وسبب ذلك أن أولئك المساعدين يريدون أن يشاركوا الباني في ثمرة بنائه، بينما هو لا يريد أن يتنازل لهم عن تلك الثمرة، فينشب النزاع بينهم، وقد ينتهي النزاع إلى القضاء على أولئك المساعدين، وقد صدق من قال السياسة لا قلب لها.
خالص جلبي