يونس جنوحي
ليته كان خبرا متخيلا أو مشهدا في فيلم من أفلام الخيال العلمي. لكن اجتماع بضع مئات من الأمريكيين، قرب قاعدة عسكرية معزولة في ولاية نيفادا، حيث الخلاء والقفار، لرؤية المخلوقات الفضائية، خبر صحيح فعلا.
رتّب المهتمون بموضوع الكائنات الفضائية للقاء قرب القاعدة العسكرية، لوجود شبهات خلال السنوات الأخيرة، على توفر أدلة على وجود الفضائيين، يتم الاحتفاظ بها هناك. ولولا تدخل الأمن لحث المجتمعين على مغادرة المكان، لبقوا هناك إلى أن تلتحق بهم أعداد أخرى من الفضوليين الذين يؤمنون فعلا بوجود كائنات فضائية تزور الأرض على متن الصحون الطائرة.
هناك حقيقة منسية بخصوص هذا الموضوع بالتحديد. فكرة وجود الكائنات الفضائية، أكثر الأفكار صمودا عبر التاريخ.
إذ في عز الطفرات العلمية والتطور التقني الكبير الذي لمسه الناس بأيديهم، وتخليهم عن آلاف المعتقدات القديمة والخرافات، ما زالت فكرة وجود كائنات فضائية تنزل إلى الأرض ليلا وتركن صحونها الطائرة، صامدة إلى الآن.
جل القنوات العالمية، غطت خبر تجمع المهتمين برؤية الكائنات الفضائية. وهناك قصة تستحق فعلا أن تُروى عاشها الأمريكيون سنة 1938.
أقدم الممثل والمخرج الأمريكي «أورسون ويلز» على قراءة قصة مطولة عن نزول المخلوقات الفضائية، على أثير الراديو.
لكن ما وقع أن الأمريكيين الذين كانوا يستمعون إلى الراديو في ذلك اليوم، من أيام شهر أكتوبر، اعتقدوا أن الأمر يتعلق بنشرة أخبار وليس ببرنامج إذاعي يحكي قصة كتبها مُخرج ونفذها للإذاعة.
الحلقة تسببت في انتشار حالة من الهلع والرعب في عموم أمريكا، وصدق أغلب المستمعين فعلا أن كائنات من المريخ اجتاحت كوكب الأرض، ونزل بعضهم إلى مخابئ وملاجئ وأقبية أسفل المنازل والمزارع، للاحتماء من «الفضائيين».
وبينما كان السيد ويلز يقتبس من رواية «حرب العوالم»، ويمارس الإلقاء بإيقاع ونبرة صوت احترافية، كان الأمريكيون فعلا يتجهون نحو المخابئ، ولا يرفعون رؤوسهم إلى السماء لرؤية دليل واحد على ما يسمعون على أمواج الراديو.
المثير أن هذا المُخرج الأمريكي لم يكن يعلم شيئا عن «الأزمة الوطنية» التي تسبب فيها. وغادر محطة الراديو بشكل عادي، واتجه صوب بيته، وخلد إلى النوم. ولم يتصل به أحد.
لكنه في اليوم الموالي، بمجرد أن استيقظ، اكتشف أن اسمه حديث الولايات المتحدة الأمريكية كلها، ولم تصدر جريدة واحدة في أمريكا دون أن تشير إلى ما اقترفه في حق الأمريكيين.
عندما عاد الباحثون الأمريكيون إلى أرشيف الإذاعة لكي يسمعوا البرنامج الإذاعي الذي تسبب في أكبر نوبة رعب وهلع في الولايات المتحدة، وجدوا أن الأمر لم يكن أبدا يستحق كل تلك التداعيات.
كان واضحا أن الأمر يتعلق برواية، وعمل أدبي خيالي وليس نشرة أخبار رسمية.
بل إن البرنامج تخللته وصلات إشهارية لبيع منتجات، مثل المشروبات وآلات الحلاقة والسيارات. وكان واضحا جدا أن الأمر يتعلق ببرنامج تمثيلي. ورغم ذلك لم يرد الأمريكيون تصديق أن الأمر يتعلق ببرنامج إذاعي وليس نشرة أخبار.
في ذلك العام، أي 1938، كان الأمريكيون مستئنسون بالبرامج ونشرات الأخبار، ويعرفون الفرق بين الاثنين جيدا.
لكن قابلية الناس وقتها لتصديق كل ما هو غرائبي، خصوصا عندما يتعلق بالكائنات الفضائية وكوكب المريخ، جعلتهم يتصرفون وكأن الكائنات الفضائية نزلت فعلا فوق الأرض.
والنتيجة أن السيد «ويلز» أدى الثمن، وصارت الواقعة مرتبطة باسمه لسنوات طويلة.
بعد كل هذه السنوات الفاصلة بين واقعة «الراديو» وتجمع المواطنين، بعد تنسيق على «الفايسبوك»، لرؤية الفضائيين في نيفادا، تبقى الخلاصة واضحة. هناك استعداد لدى الناس لرؤية هؤلاء الفضائيين مهما كلف الأمر. في حين أن رؤية الفضائيين أحيانا، لا تتطلب سوى مغادرة المنزل والمشي في الشارع، أو قيادة السيارة وسط الزحام. وقتها سوف تجد نفسك محاطا بالفضائيين من كل جانب، وسوف ترى كيف أنك دائما تعتقد أنك الأرضي الوحيد فوق الأرض!