إعداد: النعمان اليعلاوي
طوى مجلس مدينة الرباط صفحة العمدة أسماء أغلالو، والتي قدمت استقالتها أول أمس الأربعاء، معلنة نهاية فصول من الصراع الداخلي الذي عاشته جماعة الرباط منذ شهور، وفتح الباب أمام التنافس السياسي لخلافة العمدة المستقيلة، في وقت تصب التوقعات ومعطيات من داخل حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الأغلبية في المدينة، في اتجاه ترشيح اسم فتيحة المودني لخلافة أغلالو، وقد جاء الحديث عن المودني عمدة مستقبلية للرباط في ظل تأكيد رسمي من قيادة الأحرار عن الرغبة في عدم التراجع عن عمودية نسائية للعاصمة.
وقد ساعد المسار السياسي والأكاديمي الذي قطعته المودني صاحبة الـ43 ربيعا، في بروز اسمها بقوة في الساحة المحلية منذ بداية انفراط عقد الأغلبية داخل مجلس المدينة، وقد زاد من قوة «ملف ترشيح» المودني أنها كانت علبة أسرار أسماء أغلالو، وراكمت خلال العامين ونيف من الولاية الحالية تجربة محترمة لكونها الرفيقة الدائمة لها خلال المهام التمثيلية للجماعة في الخارج، متسلحة بإتقانها للغة العربية والإنجليزية والفرنسية والأمازغية، بالإضافة إلى دراية بالتركية والألمانية والصينية، كما كانت مهندسة العديد من التحالفات داخل الجماعة وصاحبة مشروع تمكين حزب التجمع الوطني للأحرار من رئاسة الأغلبية، حيث ساهمت في انتقال كبار الناخبين في المدينة إلى الأحرار قادمين من الأصالة والمعاصرة.
ولادة من رحم السياسة
ولدت فتيحة المودني بالرباط سنة 1981 وهي من أصول أمازيغية وبالضبط من تافراوت. تأثرت منذ صغرها بمحيط والدها المكون من رجال الأعمال ديبلوماسيين سياسيين وجمعيات المجتمع المدني من جنسيات وإيديولوجيات مختلفة، فهي ابنة علي المودني، رجل الأعمال المعروف في قطاع الصيد البحري والأشغال العامة من منطقة تافراوت، ويُعد من الشخصيات البارزة في عالم الأعمال التي تظهر دعمها للبلاد في أوقات الأزمات، حيث ساهم أيضًا في صندوق الدعم لجائحة كورونا والزلازل، كما كانت شركته مسؤولة عن تجهيز ساحة المشور في العيون بمناسبة زيارة الملك الحسن الثاني في عام 1985، احتفاءً بمرور عشر سنوات على المسيرة الخضراء.
الوسط الذي نمت فيه فتيحة ساهم في اهتمامها بالحياة الاجتماعية الاقتصادية والسياسية، فقد اتبعت فتيحة مسيرة مدرسية مغربية محضة بثانوية دار السلام، ثم التحقت بالمعهد الدولي للتعليم العالي بالمغرب (IHEM) الذي يوفر الدراسات باللغة الإنجليزية، بمجرد تخرجها، سافرت إلى إنجلترا حيث بدأت دراسة التمويل والتجارة الدولية. ولم يمنعها ذلك من التواجد الدائم بالمغرب للمشاركة في المناسبات واللقاءات التي تناقش مختلف المواضيع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. خلال السنوات التي قضتها خارج البلاد، كونت فتيحة شخصيتها كسيدة أعمال من خلال المناصب المختلفة التي شغلتها في كل من إنجلترا، تركيا، إيرلندا، الإمارات العربية المتحدة، ألمانيا، كوريا الجنوبية … وأخيرا بالمملكة المغربية.
وفي وطنها اهتمت أولا بالقضايا الاجتماعية كرئيسة African League for «المنتدى الإفريقي للريادة» Leadership)) ونائبة رئيس جمعية شباب السويسي للتنمية الاجتماعية. وذلك من أجل تبادل تجاربها وتقدیم مساهمة اجتماعية، وقد تمكنت من الجمع بين عملها كمديرة لمجموعة من الشركات ومشاركتها المجتمعية بشكل جيد، وهنا تدفعها وطنيتها إلى المشاركة في الحياة السياسية لتصبح فاعلة في تنمية بلدها. وقد أتاحت لها مسيرتها المهنية الغنية الحصول على جائزة (New Leader for the future) «القادة الجدد للمستقبل سنة 2015، ثم جائزة قائدة شابة إفريقية» (African Woman Young Leader) سنة 2019 ببروكسيل، بلجيكا، واليوم، أصبحت فتيحة المودني جزءا من الحياة السياسية وترغب في مشاركة خبرتها وجديتها في تنمية بلدها.
مسار أكاديمي استثنائي
فتيحة المودني، شخصية استثنائية تمثل مثالًا حيًا للنجاح والتفوق في الحياة المهنية والاجتماعية. وُلدت ونشأت في الرباط، حيث تلقت تعليمًا صارمًا وثريًا بفضل تأثير والدها وتفانيها في دراسة العلوم الاقتصادية والتسويق.
بدأت رحلتها الأكاديمية في المعهد الدولي للتعليم العالي بالرباط، حيث حصلت على درجة البكالوريوس في التسويق والاتصال. لكن لم تكتفِ فتيحة بالحصول على هذه الدرجة فقط، بل سعت للتميز والتطوير المهني من خلال الحصول على درجة الماجستير في التجارة الدولية والتمويل من كلية ريجنتس في لندن، المملكة المتحدة. في أطروحتها، استعرضت فتيحة «التأثير الذي تمارسه البنوك التنموية على البلدان في مرحلة في طريق النمو».
رغم انشغالها بدراستها في الخارج، ففتيحة لم تنسَ جذورها ولا تقاليدها، بل دأبت على المشاركة الفعالة في الأنشطة الاجتماعية والسياسية في المغرب، وبالتحديد في منطقة تافراوت، لتقرر في ما بعد العودة للمغرب بعد الحصول على شهادتها لتُسهم في تطوير المجتمع وتحفيز الشباب على الابتكار والتفوق.
تقلدت فتيحة عدة مناصب قيادية في عدة شركات دولية، منها دورها كمديرة تسويق لشركة «جتراديس» في الرباط، ومديرة تسويق لشركة Steel Business Briefing في لندن. وقد أظهرت مهاراتها القيادية والتنظيمية والتفكير الاستراتيجي في كل مرحلة من مراحل حياتها المهنية.
بالإضافة إلى إنجازاتها المهنية، اشتهرت المودني بأنشطتها الاجتماعية، حيث شغلت مناصب رئيسية في العديد من الجمعيات والمنظمات، وتلقت عدة جوائز تقديرًا لتميزها وإسهاماتها الاجتماعية والسياسية، فباتت تمثل نموذجًا للمرأة الناجحة التي تجمع بين القيادة والتفاني في خدمة المجتمع وتحقيق النجاح المهني في آن واحد.
المودني.. قائدة للغد
حسب المودني فإنها تعتبر تمكنها من الحصول على جائزة «القادة الجدد للغد»، حدثا بارزا في حياتها النضالية، وهي الجائزة التي نالتها خلال فعاليات منتدى كرانس مونتانا، حيث سلم وزير خارجية بلجيكا ديديي ريندرز المودني، شهادة بمناسبة اختتام فعاليات الدورة السادسة والعشرين لمنتدى «كرانس مونتانا» الذي نظم ببروكسيل، وهي الدورة التي عرفت حضور عدد من ملوك ورؤساء ووزراء وشخصيات سياسية واقتصادية من مختلف القارات، وقالت المودني إنها معتزة كمغربية تنال تلك الشهادة، وشددت على أنها ستزيدها إصرارا على بذل مزيد من الجهود والانخراط في العمل الجمعوي.
وتتميز المودني بخبرتها السياسية القوية، حيث تم انتخابها بالفعل تحت لواء حزب التجمع الوطني للأحرار، كما خلفيتها المتنوعة، التي تجمع بين المهام المحلية ومهارات تنظيم المشاريع المكتسبة في الخارج، تجعلها مرشحة مؤهلة لتلبية احتياجات العاصمة، وتركز المودني في مشروعها لخلافة أغلالو على رأس مجلس مدينة الرباط على استعادة الثقة والمصداقية داخل المجلس البلدي، وتسلط الضوء على الحكم الشفاف ومشاركة المواطنين وآليات المساءلة الصارمة.
وردا على سؤال حول إستراتيجيتها للعمل مع مختلف الفاعلين السياسيين وأعضاء المجلس، أكدت فتيحة المودني على أهمية الحوار المفتوح والبناء وتعزيز التشاور والشفافية، كما يوفر آليات المراقبة والتقييم لضمان الإدارة الفعالة والتشاركية للمدينة، مسلطة الضوء عن تجاربها السابقة، وعلى التزامها السياسي طويل الأمد وتجربتها النقابية المبكرة، حيث إن المودني حظيت بعضوية مجلس مدينة الرباط لولايتين متتاليتين، مما يمنحها معرفة عميقة بالآليات السياسية والمبادئ الأساسية. بفضل خبرتها النقابية منذ شبابها، فهي تجسد احترام المجتمع والفرد، وبمقاربة دبلوماسية تقدمية، يقدم ترشيح فتيحة المودني منظورا واعدا لمستقبل الرباط، مسلطا الضوء على قيم الشفافية والكفاءة والتعاون في خدمة ساكنة العاصمة.