شوف تشوف

الرأي

غدنا قد يبدأ الآن

في العالم الحر؛ الانتخابات تجديد للتعاقد بين الحاكم والمحكوم، فيتوجه مواطنون كاملو المواطنة إلى صناديق الاقتراع لاختيار من أقنع عقولهم، بأنه الصادق في تمثيل طموحاتهم المشروعة، والكفء في تحقيق ما بدا لهم أنه مطلب ملح للمرحلة القادمة، وهم مصممو العزم على التعايش المشترك على خطى سلفهم الأنوار.. وإن قاطعها بعضهم اعتبر ذلك موقفا محترما ومدعاة لإعادة التفكير في أسباب مقاطعته.. ولهم أن يدعوا غيرهم بالعقل دوما.. للانتصار لموقفهم.. في ظل مناخ من التواصل المتمدن.. لتتخذ هذه المناسبة عموما، سمة تجديد الوصل مع قيم الديموقراطية والتواصل والاختلاف والتمدن.
أما في المغرب؛ فتلك حكاية في الطرف الأقصى لكل هذا، إذ هي تجديد للتعاقد مع التخلف والبداوة.. فترمى آلاف الأوراق الدعائية في الشوارع بعشوائية.. ويستعرض المرشحون «عضلات أتباعهم» بالعصي والحجارة.. ويتواصلون مع المواطنين بمزامير السيارات والشاحنات المكتراة، ناهيك عن فرق الأهازيج الشعبية التي تبدع أغاني خاصة بالمناسبة.. ولا احتجاج فالحدث حملة انتخابية..
في بلادنا وهي المتأخرة كثيرا عن قطار الحداثة السياسية.. يعتبر الترشح نزوة وكبرياء عند «أصحاب الشكارة»، كمثل المرشح الذي غادر مدينة ولادته منذ ما يفوق العشرين عاما ولم يعد إليها إلا بعد أن استفحل صراعه مع أبناء عمومته على إرث تركه الأجداد، فقرر أن ينتصر لكبريائه بأن يترشح ضدهم تحت يافطة حزب يساري جدا.. وهي أيضا رغبة في الارتقاء وتحسين الأحوال بما حُرم من الأموال. عند المعلمين وما شابههم من المتعلمين وأصحاب المهن الهامشية.. كمثل المعلم الذي باع «نزاهته المشهودة» لصالح أحد المرشحين، عندما قبل أن يضع صورته «المفبركة بالبدلة» على لائحة أحد الأغنياء، مقابل مبلغ بالملايين، فيما هو يجري حملة انتخابية لحزب آخر لأنها مسألة «مبدئية».
ولأن عموم «الرعايا» يعتبرون حفر الشوارع وانقطاع الماء والكهرباء، وانتشار الأزبال، والانتظار في طوابير الإدارة، والتعرض للصفع من طرف القائد.. قضاء وقدرا لا راد لجبريته.. فإنهم لا يترددون في البقاء أوفياء لمن يخاطب فيهم الجيب أولا، ثم تأتي القبيلة والعمومة وباقي «الطاسيلة».. ولا ضير بعد ذلك إن بقيت دار لقمان على حالها.. فنجدهم «متريثين» جدا في اختيار مرشحهم الذي سيدفع أكثر.
شخصيا لست مع المقاطعة وسأنتخب يوم الجمعة القادم، إنما من يعتبرون المقاطعة موقفا لا وطنيا، لا يفهمون أن المنقطعين أكثر وطنية من المفسدين والمرتشين والسماسرة.. وشعب من المقاطعين أشرف من شعب من السماسرة وبائعي الذمم وشاهدي الزور.. إنهم أشرف من الأحزاب التي همشت مناضليها المثقفين والمتعلمين، وفضلت تزكية «أصحاب الشكارة» والأعيان الأميين، ولعل أكثر حالات المقاطعة إثارة للانتباه في الانتخابات الماضية، هي إحدى الدوائر الانتخابية بقيادة «بزو» بإقليم أزيلال، والتي سجلت نسبة 100 في المائة في مقاطعة الانتخابات بما في ذلك المرشحون الأربعة عن هذه الدائرة أنفسهم.. وهؤلاء المقاطعون ليسوا في حاجة لتبرير اختيارهم الحر، فقد رأى العالم كله أن من اختاروهم في انتخابات 2003 لم يفعلوا شيئا يقيهم من قسوة البرد وحصار الثلوج ومرض وجوع الليالي الطويلة في مغرب لا حق لهم فيه إلا «الواجب الوطني»، فعندما قرر هؤلاء الأحرار المقاطعة في 2009 فلأنهم متأكدون أن الغد لن يكون إلا تكرارا.. والشتاء المقبل لن يكون إلا صقيعا وجوعا وموتا سريعا.. ونظريا لا يصبح اختيارهم الحر حقيقة إلا عندما يكون قول «لا» أحد الممكنات.
إن كل المعطيات المشاهدة هنا وهناك.. تخبرنا بلسان فصيح أن حلم «مغرب الغد»، قد يتأجل إلى حين إذا لم يتحمل المواطنون مسؤولية قطع الطريق على الفاسدين والسماسرة.. فأما مظاهر هذا التخوف فكثيرة، اتخذت ولا تزال تتخذ وسائل مبتكرة جدا، نضيف إلى ما سبق «نوادر» حدثت في المحطة الانتخابية الماضية ونتمنى أن لا تتكرر، منها أن مرشحا يدفع المال للناخبين لمقاطعة التصويت، لأنه يشك في ولائهم له… فيدفع لهم مقابل تمزيق بطاقاتهم.. فالمهم أن لا يصوتوا لمنافسيه.. وآلاف البطائق ملغاة لأن أصحابها فضلوا كتابة كلام ناب عن جميع المرشحين أو البعض منهم، بدل اختيار أحدهم، ومرشحون اشترطوا على «زبنائهم» تصوير تصويتهم بالهاتف المحمول… ضدا على القانون الذي يمنع كل هذا، ورب معترض قد ينبه إلى محدودية هذه الحالات، لكن من حيث المبدأ فالعقل الفاسد الذي أبدع هذه التخريجات البعيدة عن قيم التمدن والديموقراطية.. قادر على إبداع أسوئها.. والنتيجة هي أن الجميع شارك في 2009 في سيناريو الخيبة، خيبة شعب بدأ يتهجى الاختيار الحر بعيدا عن إكراه «كاليكم المخزن صوتوا»، ومن الطبيعي أن يرافق التهجية لحن في النطق وأخطاء في التعبير… لذلك نتمنى أن تكون 2015 مختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى