عيد بسراح مؤقت
في الوقت الذي تنشغلون، يا معشر الرياضيين، بـ«ميركاطو» الخرفان، وتبيحون لأنفسكم إبرام صفقات شراء السكاكين والسواطير وتتزودون بأسلحة الدمار الشامل، يعيش الملاكم المغربي حسن سعادة على إيقاع إقامة جبرية في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، حيث ينتظر نهاية مسلسل الأحزان، بعد إدانته بتهمة التحرش الجنسي بنادلتين، قيل، والعهدة على بطل سلفي، إنهما سافرتان.
منذ الثالث من شهر غشت الماضي، والملاكم المغربي يصرخ من حبسه الانفرادي، مطالبا بالحرية، مرددا في خلوته نداء «كوكب الشرق»: «أعطني حريتي أطلق يدي»، لكنه اكتشف أن المسؤولين عادوا إلى أهاليهم سالمين غانمين إلا من ذهب وفضة الأولمبياد، وحين يسألهم أهل القفاز عن سر بقاء الملاكم سعادة في ريو، يوصون موظفي السفارة والخطوط الجوية به خيرا، كأنه حقيبة سفر سقطت سهوا من مفكرة المكلف بالشحن.
تقضي أسرة حسن أيام العيد حزينة على فراقه، وتشعر وكأن طعم لحم الخروف مر، ودخان الشواء برائحة دخان الأفران العتيقة، لكنها تؤمن بالقدر خيره وشره، خاصة وأن رئيس البعثة المغربية الأولمبية نور الدين بن عبد النبي طمأن الجميع، وقال في لقاء إعلامي: «سعادة ابن الوطن لن نتخلى عنه». وحين أسدل الستار على الأولمبياد امتطى المسؤولون الطائرة واستلقت أجسادهم في الكراسي الوثيرة للدرجة الممتازة، ثم ناموا ملء الجفون، بعدما أوصوا حسن بمقاطعة البن البرازيلي لأن القهوة أفيون الشعوب.
استيقظ الملاكم ذات صباح، فاكتشف أن المغاربة نزحوا من ريو وكأنها مدينة معدية، وبحث عن محاميه البرازيلي فاكتشف أنه يجيد «الجونكلاج»، كرونالدينهو، وأن السفارة في العمارة.. وحين طالبته غرفة الاتهام بإحضار الشهود، قال لهم إنهم عادوا إلى أهاليهم سالمين، والتفت يمنة ويسرة بحثا عن عربي يؤازره، فلم يجد سوى طحالب الأولمبياد أصحاب الشوارب الكثة.. لكن رئيس البعثة المغربية قال مطمئنا: «حاليا نتوفر على بعض الأوراق المهمة في ملف الملاكم سعادة هي بمثابة رصاصات سنستعملها في الوقت المناسب»، ثم ركب الطائرة وهو يحمل في جيبه رصاصات تبين أنها مطاطية.
لم يعد رئيس اتحاد الملاكمة الناميبي إلى بلده، ومدد مقامه في البرازيل إلى حين الحصول على براءة ملاكمه يوناس سونيوس، الذي اتهم بدوره بالتحرش الجنسي في القرية الأولمبية. لا تملك ناميبيا سفارة في البرازيل ولا تملك خطا جويا يربطها بهذا البلد، ولكنها تملك مسؤولا استلهم تعليماته من خطبة طارق بن زياد «البحر وراءكم والسجن أمامكم، فليس لكم والله إلا الصبر أو الموت».
حين اعتقل تسعة من مشجعي الوداد البيضاوي في العاصمة التونسية، مباشرة بعد انتهاء مباراة نهائي كأس عصبة الأبطال الإفريقية ضد الترجي، قبل خمس سنوات، أصر رئيس الوداد على تمديد مقامه في تونس وانتدب محامية، ورابط في سفارة الزروالي إلى أن نال الإفراج الجماعي، وعومل المفرج عنهم في المطار معاملة الأبطال وخصص لهم احتفال فاق في صخبه حفل استقبال وصيف بطل إفريقيا. وبعد ثلاث سنوات قاد المناصرون حملة على الحيطان يطالبون أكرم بالرحيل.
يعلن كثير من الملاكمين مؤازرتهم لحسن سعادة في محنته، «فايسبوكيا» يتقاسمون معه ما نشره على صفحته من دعوات الفرج، فليس لهم إلا «الجيم» و«البارطاج» والتهنئة بمقدم يوم الجمعة، لمساندة زميل تلقى ضربة ناعمة قبل أن يصعد الحلبة، فيما طوت الجامعة القضية وراحت تنظم معسكرا لتسمين العجول، واستعارت اللجنة الأولمبية من رئيس الحكومة لازمته الشهيرة «عفا الله عما سلف»، وتضرعت في لقاء «مكاشفة» إلى الله أن يطيل أعمار رؤساء الجامعات، فهم زينة الحياة الدنيا.
هجرت الابتسامة والدة حسن، فكيف لها أن تنخرط في حملة الشواء للجميع، وابنها يعيش في إقامة جبرية بالبرازيل، وهو العاشق لرائحة الوطن المحب لرفاقه في درب السادني، لكن المسؤولين يبادلونه بحب من الوريد إلى الوريد، ويصرون على ختم قفازتيه بالشمع الأحمر.