عندما يتكلم رجال إدريس البصري….الوزير القوي بين سطور مذكرات رجالاته
حسن البصري
حرص محمد الصديق معنينو، الكاتب العام السابق لوزارة الاتصال، والوجه الإعلامي والتلفزيوني المعروف، على تجميع مذكراته، في سلسلة تحت عنوان «أيام زمان»، يحكي فيها معايشته عن كثب لكثير من الأحداث، من موقعه كمسؤول إعلامي تحمل العديد من المناصب، جعلته قريبا من دائرة القرار السياسي.
كان إدريس البصري حاضرا بقوة في جميع الأجزاء من مذكرات معنينو، سواء في قضية الصحراء أو في القمم الإفريقية والعربية التي احتضنها المغرب، وجاء الجزء الرابع، من ذكريات «أيام زمان»، الذي اختار له كعنوان «السنوات العجاف»، حافلا بالأحداث التي شهدتها المملكة، في الفترة الفاصلة بين 1980 و1990 سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا وإعلاميا.
بين سطور كتاب «رجل سلطة بالإذاعة»، لعبد الرحمان عشور، الذي تولى منصب مدير الإذاعة الوطنية، خلال الفترة الممتدة من 1986 إلى 2003، يظهر وميض إدريس البصري في زمن زواج الإعلام بالداخلية، فقد شاءت الأقدار والظروف السياسية أن يتحمل عبد الرحمان مسؤولية مؤسسة إعلامية وطنية، في فترة وصفها بالاستثنائية في تاريخ المغرب، وهي الفترة التي تم خلالها إلحاق قطاع الإعلام بوزارة الداخلية.
يتحدث المدير عن علاقته بالوزراء الذين تعاقبوا على حقيبة وزارة الاتصال، وهم على التوالي إدريس البصري، ومولاي إدريس العلوي المدغري، ومحمد العربي المساري، ومحمد الأشعري، ومحمد نبيل بنعبد الله.
أما لحسن بروكسي الذي تحول من راعي غنم في هضاب زيان، إلى مستشار في أم الوزارات، ورجل من رجالات ابن الشاوية إدريس البصري، رغم تشبعه بالفكر الثوري، فقد كتب مذكراته التي حملت عنوان: «حياتي، الحسن الثاني، إدريس البصري وأنا»، تشعر من خلالها وكأنك تسافر في عمق تاريخ وجغرافية بلد عاش على إيقاع التحولات، وكلما التهمت الصفحات كلما شعرت وكأنك تطوي المسافات وتجوب تضاريس مغرب كان فيه إدريس البصري صانع علامات التشوير السياسي، مستمدا قوته من ثقة الملك الراحل الحسن الثاني في إخلاص ابن الشاوية وولائه.
بعيدا عن السياسة والإعلام، حرص المدرب الوطني محمد جبران، الذي ارتبط طويلا بفريق النهضة السطاتية كلاعب ومدرب، على الاعتراف بأفضال الوزير إدريس البصري، خاصة خلال مقامه بسطات أو مع الفريق الوطني، حيث اشتغل الراحل مدربا للمنتخب في ثنائية مع الإطار الوطني حمادي حميدوش.
الحسن الثاني يؤنب «ميدي 1» بسبب خبر
تعددت الروايات بخصوص غضبة الملك الحسن الثاني على بيير كازلطا مدير إذاعة ميدي 1، في يناير من سنة 1989، فقد قدم الصديق معنينو الصحفي والكاتب العام السابق لوزارة الإعلام في عهد إدريس البصري، روايته من خلال سيرته الذاتية، وقال إن وزير الداخلية والإعلام نقل إليه غضبة الملك بسبب خبر أذاعته ميدي 1، يتضمن هجوم حرس الزعيم الليبي معمر القذافي على مسجد يحتمي فيه معارضوه، بل إن وزير الداخلية البصري اتصل هاتفيا بالإذاعة وطلب التحدث إلى المدير الفرنسي كازالطا الذي كان موجودا حينها في مدينة مارسيليا.
رواية معنينو حول سبب الغضبة الملكية، وقصة الهجوم على مسجد، تصدى لها حسن الراشيدي المسؤول السابق عن التحرير بإذاعة ميدي1، إذ قدم الرواية الأخرى للقلق الملكي، وقال بأن خبرا كتبه صحفي فرنسي حديث العهد بالإذاعة، نقلا عن وكالة الأنباء الفرنسية عن مبعوثة جيروزاليم بوست إلى المغرب. «بيت القصيد كان أن مصادر مغربية أخبرت الصحافية الإسرائيلية باستعداد العاهل المغربي لعب دور لإقناع القادة العرب بالاعتراف رسميا بدولة إسرائيل، بل وزادت الصحفية أن الحسن الثاني شرع في لعب هذا الدور فعلا».
بمجرد بث الخبر على أمواج ميدي 1 بادرت اللجان الشعبية إلى تنظيم مظاهرات أمام السفارة المغربية بطرابلس، وحاول المتظاهرون إضرام النيران في المبنى، وهو الخبر الذي لم يصلنا عبر وكالات الأنباء، بل علمت به الرباط والقصر من خلال القنوات الرسمية فقط. ولعل هذا هو السبب الحقيقي في غضبة الملك الراحل.
غاب كازلطا عن مقابلة التأنيب لوجوده في فرنسا، فيما حضر الراشيدي نيابة عنه إلى جانب سامي الجاي مسؤول النشرات الفرنسية، حيث تقرر حضورهما على وجه السرعة إلى مراكش لملاقاة الملك وتقديم توضيحات في الموضوع، بمعية الصديق معنينو مدير الإعلام، حيث وضع البصري طائرة عسكرية رهن إشارة هذا الثلاثي.
يقول الراشيدي: «نودي علينا لمقابلة الملك، قبلنا يد الملك الواحد تلو الآخر، وأدينا فروض الطاعة ثم اصطففنا على خط مستقيم أمامه، كان من سوء حظي، أو حسن حظي، أنني وجدت نفسي أمامه مباشرة. من دون مقدمات وبصوت طغت عليه نبرة غاضبة. قال: «لا أريد منكم سبقا صحفيا.. ولا أريد أن تلجأ إذاعتي إلى هذا الأسلوب. أنا لا أتدخل في أي شيء تقولونه في إذاعتي، حتى عندما تطلقون علي صفة العاهل المغربي».
وأضاف الراشيدي: «أزبد الملك وأرغى، وكنت أمامه غير قادر على رفع عيني من الأرض، على وشك الإصابة بالإغماء، أخبرنا عما أقدم عليه الليبيون بعد بث الخبر، وعن محاولتهم حرق السفارة وعن القذافي وأساليبه، الحمد لله أن حالة الغضب لم تزد عن دقائق معدودات.. لكنها بدت وكأنها دهرا. غير فجأة من نبرته الغاضبة ثم التفت إلى سامي الجاي.. وقال له: «شكرا يا سامي لقد اتصل بي الرئيس الشاذلي بن جديد شاكرا العمل الذي قمت به هناك».
استنفار في منتصف الليل بسبب جريدة «لوموند»
في مذكرات «أيام زمان» كشف الصديق معنينو، قصة غضب الحسن الثاني وسفره إليه بلباس النوم، أواسط تسعينيات القرن الماضي. وقال إن ضغط العمل جعله يعود إلى منزله بالرباط متأخرا حوالي 11 ليلا ومعه عدد من الصحف، وضعها بالمطبخ، ثم ذهب للنوم.
تلقى اتصالا هاتفيا حوالي منتصف الليل، من قبل وزير الداخلية والإعلام آنذاك إدريس البصري، الذي كان في حالة هيجان نتيجة عدم توصل الملك الحسن الثاني بصحيفة «لوموند» الفرنسية.
«أخبر الحسن الثاني وزيره المقرب إدريس البصري بعدم توصله بالصحيفة المذكورة، ليتصل البصري بي على هاتف منزلي، طالبا مني إحضار الصحيفة للملك وهو في حالة هيجان، قبل أن يقطع الخط». وعلى الفور شرع معنينو في البحث من جديد وعاد إلى الصحف التي جاء بها ذلك المساء فوجد صحيفة «لوموند» فأخذها إلى القصر بالصخيرات وهو يرتدي بذلة النوم «بيجامة».
«فور تسليمي الصحيفة لرجل القوات المساعدة، غادرت عائدا للرباط»، كان في حالة ارتباك واستعجال، مضيفا أنه وفور وصوله للعاصمة تلقى اتصالا آخر من البصري، كان يظنه أنه سيعتذر له، إلا أن العكس تماما ما وقع، حيث وجده في هيجان مرة أخرى لأن الصحيفة التي توصل بها الحسن الثاني كانت لعدد الأمس. «دخلت للمنزل مرة أخرى أبحث وسط الصحف لأجد عدد ذلك اليوم، وعدت إلى سيارتي لأخذه مرة أخرى إلى الصخيرات حوالي الثانية إلا الربع من صباح اليوم الموالي».
تلفزيون الملك وتلفزيون البصري
عايش معنينو الوزير إدريس البصري، الرجل القوي في زمن الحسن الثاني، ووصف أم الوزارات بـ«ذات الأسنان المسلحة»، يقول الصديق في مذكراته إنه سمع الملك الحسن الثاني يقول لإدريس البصري «أنت عندك التلفزيون ديالك ويقصد القناة الأولى وأنا عندي التلفزيون ديالي ويقصد القناة الثانية» في منع صريح لمحاولة الوزير التدخل في مواد برنامج حواري على القناة الثانية.
غير أن الحدث الأبرز يعود لسنة 1985، وبالضبط يوم 15 نونبر، أثناء إسناد وزارة الإعلام إلى إدريس البصري وزير الداخلية، وهو الأمر الذي فاجأ الجميع، بمن فيهم معنينو، الذي لم يعلم بالخبر إلا صبيحة اليوم الموالي، رغم أنه كان يشغل منصب مدير الإعلام.
وكان هذا القرار الملكي المفاجئ نتيجة «غضبة كان الحسن الثاني يختص فيها، وخلالها يتخذ قرارات غالبا ما يندم عليها بعد أن تهدأ الأوضاع التي كانت سببا في ذلك. فقد كانت وزارة الداخلية تضخم في تقاريرها إلى الملك ما كان يجري في التلفزيون من تحولات، معتبرة ذلك بمثابة خطر على استقرار المغرب، مستندة إلى الغياب الطويل لعبد اللطيف الفيلالي، وزير الخارجية والإعلام، مشيرة إلى أنه في «عطلة مستمرة»، و«يفضل البقاء في الخارج حتى بعد انتهاء المهمات المكلف بها».
«في ليلة 12 نونبر من سنة 1985 نفسها، بث التلفزيون حلقة من برنامج «وثيقة» استضاف خلاله المهدي بنعبود، أحد قادة جيش التحرير، والمعروف بصراحته، فتحدث عن عودة بطل التحرير، الملك محمد الخامس، من المنفى، والانقسام الذي حدث وسط الطلاب المغاربة بين الذين ارتاحوا لهذا الرجوع، وبين الذين رفضوا إرسال برقية تهنئة إلى الملك محمد الخامس، وفهم من هذا الكلام أن هناك مغاربة لم يكونوا مؤيدين لرجوعه إلى العرش، وفي تلك الليلة كان الحسن الثاني أمام التلفزيون يتابع البرنامج المذكور، وفي ذاكرته تقارير وزارة الداخلية عن الفوضى العارمة التي تسود التلفزيون المغربي، فاتصل بعبد اللطيف الفيلالي، فلم يعثر عليه، فطلب البصري هاتفيا، وأمره بتوقيف البرنامج».
البصري: أنا الوسيط بين القصر والإذاعة والتلفزة
غضب إدريس البصري بعدما تلقى من الحسن الثاني عتابا قويا بسبب عدم بث نشاط ملكي في الأخبار الرئيسية للتلفزة، «قصة الغضبة «البصرية» ترجع لسنة 1986، حيث لم يتم بث حفل استقبال ملكي بأكادير لوفد من الطائفة اليهودية، وبعد انتهاء مراسيم الاستقبال سأل الملك عن التوقيت الذي سيبث فيه هذا النشاط الملكي على شاشة التلفزة، فأجابه الوزير البصري دون أن تكون له فكرة عن شبكة البرامج بأن النشاط سيبث مساء نفس الليلة، وكلف الوزير ثلاثة عمال بوزارة الداخلية لإيصال الشريط إلى مقر التلفزة، لكن الموفدين سلموا الشريط دون أن يقدموا التعليمات، كان الملك رفقة أعضاء الطائفة اليهودية ينتظر موعد بث النشاط لكنه فوجئ بأن الخبر لم يظهر له أثر بسبب عدم جاهزية الشريط وتم بث أغنية عاطفية بدلا عنه، فاستشاط الملك غضبا وطلب من البصري قطع الإرسال التلفزي دون تقديم النشرة الإخبارية الأخيرة.
يقول عبد الرحمان عشور إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث في اليوم الموالي دعا وزير الداخلية والإعلام كلا من المدير العام ومدير التلفزة ومدير الإذاعة لاجتماع طارئ بمكتبه، تطايرت فيه شرارة الغضب من فمه وظل يردد: «لقد أمضيت ليلة بيضاء جلالة الملك وبخني وأنبني على التقصير الذي حصل»، ثم أضاف دون أن يسمع مبررات المدير: «أنتم تدركون أن خصومي يريدون التخلص مني، والإيقاع بيني وبين سيدنا الله ينصرو، إنكم تضعونني في موقف ضعف». في نهاية هذه الجلسة التأنيبية طلب الوزير من مدير التلفزة مرافقته إلى ملعب الكولف للقاء الملك، لكن هذا الأخير عاتب المدير بأسلوب لبق.
قبل تعيينه وزيرا للداخلية والإعلام، كان إدريس البصري من أقرب المقربين للحسن الثاني، في السراء والضراء، إنه عين الملك الأخرى التي لا تغمض. منصبه كوزير دائم للإعلام ثم للدولة مكنه من الاطلاع على الشؤون الداخلية والخارجية للمغرب، لكن وزيرا آخر اسمه مولاي أحمد العلوي كان يحرص على الاقتراب أكثر من الملك، خاصة وأنه لعب دور المستشار المستتر في الشأن الإعلامي، وبدا أكثر قربا من الملك في قضايا ذات طابع خاص ونال صفة الوزير الدائم في حكومات المغرب المستقل. وإذا كان إدريس البصري قد نعت نفسه بـ«خادمة بيت» الملكية والقصر والدولة، فإن أحمد العلوي كان بالنسبة للملك الحسن الثاني بمثابة «العلبة السوداء».
طلب مولاي أحمد العلوي من إدريس البصري شريطا سبق للتلفزة أن بثته، لكنه رفض، قبل أن يلجأ الأول إلى مسؤول آخر في دار البريهي، استجاب لطلبه، ما دفع العلوي إلى الكشف عن ذلك علنا، حيث لوح في وجه البصري بالشريط، ما دفع وزير الإعلام إلى إعادة قولته الشهيرة أمام مسؤولي التلفزة والإذاعة: «أنا المسؤول الوحيد عن العلاقة بين الإعلام والملك».
البصري يمنع طائرة جزائرية من الإقلاع
نظم المغرب أول أسبوع ثقافي جمع الفنانين المغاربة بنظرائهم الجزائريين بعد فتح الحدود بين البلدين، وحرص الملك الحسن الثاني على استضافة نجوم الأغنية الجزائرية في قصره. حل الوفد الفني الجزائري بالمغرب على متن طائرة خاصة وضعها الملك رهن إشارة الجيران، وكانت البعثة الفنية تتكون من مطربين مشهورين في القطر الجزائري، كرابح درياسة ونادية بنيوسف وعبد القادر شاعو وزكية محمد والشاب جلال مع أسطورة الأغنية الصحراوية خليفي أحمد، في هذه الزيارة كرم الفنان رابح درياسة من قبل الحسن الثاني، وتحصل على «برنوس» مطرز بالذهب.
عين إدريس البصري بتنسيق مع وزارة القصور والأوسمة، عبد الرحمان عشور كمرافق للبعثة الجزائرية، بمساعدة أحمد ريان رئيس قسم العلاقات الخارجية بالإذاعة والتلفزة، خلال هذه الزيارة التي تخللتها سهرات فنية في الرباط والدار البيضاء، بمشاركة فنانين مغاربة كعبد الهادي بلخياط ومحمد الحياني ومحمود الإدريسي، والشاب ميمون ونعيمة سميح ولطيفة رأفت وسميرة بنسعيد، قرر الملك الحسن الثاني دعوة الفنانين الجزائريين لتنشيط سهرة في القصر الملكي، حيث ألقى يومها كلمة مجد خلالها المغرب العربي الكبير وأثنى على حسن الجوار والهوية العربية.
عند انتهاء الحفل طلب الملك من الفنانين الجزائريين العودة مساء اليوم الموالي، لإحياء سهرة أخرى بالقصر، وهو أمر لم يكن ينتظره هؤلاء فمغادرتهم للمغرب كانت مقررة صباح الغد من مطار سلا، خاصة وأن عيد الأضحى على الأبواب، «حكى لي رابح درياسة بعض كواليس الحفل، حيث قال جلالة الملك مازحا موجها كلامه لإدريس البصري، «الباسبورات ديالهم عندك؟». كان هذا التساؤل كافيا ليفهم الوزير بأن الملك يريد تمديد مقام الفنانين الجزائريين في المغرب».
لكن الفنانين الجزائريين رفضوا المقترح وقرروا العودة إلى بلادهم، بل إنهم استقلوا الحافلة مبكرا واتجهوا صوب المطار، حاول عشور وريان ثنيهم عن القرار، لكنهم أصروا على الرفض، «أشعرت المدير العام بالأمر فانتقل بدوره إلى المطار، بل إن وزارة الداخلية المغربية ونظيرتها الجزائرية دخلتا على الخط، وتبين أن التعليمات الملكية تقتضي منع الطائرة من الإقلاع صوب الجزائر، مهما كان الثمن، بل إن الفنانين توزعوا بين راغب في البقاء ومصمم على الرحيل.
حل بالمطار دبلوماسي جزائري، وصعد إلى الطائرة حيث تمكن من إقناع الفنانين بالنزول من جوف الطائرة، قبل ذلك غادر الربان ومساعدوه غرفة القيادة ورفضوا الإقلاع بدعوى تأخر الرحلة وعدم توفر شروط الملاحة الجوية».
قشبال وزروال في التلفزيون بدعم من البصري
ارتفعت «كوطة» قشبال وزروال في زمن السهرات الأسبوعية التي تبثها القناة الأولى، ولا تستقيم إلا بوجود الثنائي «القشابيل والزراويل»، وأصبح الجمهور يطالب بأعمال ذاع صيتها على غرار «تفجج يا لحبيب» التي كانت تنوب عن كل الوصلات الدعائية للسياحة الداخلية، و«سطات زوينة منها جينا».
في كتابه: «رجل سلطة بالإذاعة» يؤكد عبد الرحمن عاشور المدير السابق لدار لبريهي، على الحس الوطني للثنائي، وقال إن أول أغنية أنتجت بمناسبة المسيرة الخضراء كانت للثنائي قشبال وزروال تلتها بعد ذلك أغنية «العيون عينيا» للمجموعة الغنائية جيل جيلالة.
غادر قشبال وزروال الإذاعة دون أن يستفيدا من البصري، فهذا الثنائي لا يملك مأذونيات ولم يستفد من الريع الذي شمل فنانين يعرفون من أين تؤكل كتف المخزن.
شكل الثنائي «قشبال وزروال» ظاهرة في الستينات والسبعينات والثمانينات، وسجل حضورا قويا في مختلف السهرات الفنية التي كانت تبثها التلفزة المغربية مساء كل سبت، و«شكلا رقما مطلوبا بشدة في الجولات والسهرات، سواء داخل المغرب أو خارجه، لكنهما قوبلا في آخر أيامهما بنكران خطير»، يقول عبد الله الشخص منظم مهرجان «لوتار».
لسوء الحظ أن إدريس البصري لم يكن عاشقا للوتر، فقد كانت «الجرة» وحدها كافية ليتحول إلى كائن رخوي، لكن القائمين على السهرات ظلوا يحرصون على استدعاء الثنائي لانتمائه السطاتي وخوفا من البصري، الذي عشق النهضة السطاتية وقال إنها الفرقة الغنائية الوحيدة التي تطربه.
نجاة بروكسي والبصري وسكرتيره من كارثة جوية
يقول لحسن بروكسي في مذكراته «حياتي الحسن الثاني وإدريس البصري وأنا»، «أمرني البصري ذات يوم بالالتحاق عاجلا بمكتبه، وأنا أتأبط ملف الأراضي المسترجعة، طلب مني الاستعداد للسفر على متن طائرة عسكرية صوب أكادير، لأن الملك الذي كان يتواجد في عاصمة سوس يريد الاطلاع على هذا الملف بشكل شخصي ويناقشه معنا، جمعت أشلاء ملفاتي ولم يكن لي متسع من الوقت لأغير هندامي، فقد توجهنا نحو القاعدة العسكرية بالقنيطرة وركبنا طائرة عسكرية كانت جاهزة للإقلاع وكان معنا حسين جميل وسكرتير البصري، بعد فترة قصيرة من التحليق نزلت الطائرة في مراكش، قال لي البصري إن له موعدا مع عامل الإقليم الذي كان ينتظرنا في المطار، تحدثا على انفراد قبل أن نقلع من جديد تجاه أكادير، كنت بين الفينة والأخرى ألقي نظرة على الملفات المتراكمة وأحاول ترتيبها بشكل يسمح لي بالوصول إلى البيانات التي قد يطلبها الملك بأقصى سرعة، تفاديا لأي إحراج».
وفي لحظة الوصول إلى أكادير حصل ما لم يكن في الحسبان، «وصلت الطائرة إلى أجواء أكادير، كنت أختلس النظر من النافذة وأسبح ببصري في المحيط الأطلسي الذي يغسل وجه مدينة خارجة من نكبة زلزال مدمر، وأنا أستمتع بنزولها على مدرج المطار، فجأة في السماء ومرت محاذية لمبنى فندق أطلس، تبين أن عطلا أصاب أحد أجهزتها مما تعذر معه النزول، لتعود الطائرة إلى التحليق في أجواء المدينة إلى أن أرخى الليل ستائره، وبدت لي أكادير كمزار تضيء جنباته الشموع، لاحظت أن العرق يتصبب من جبين قائد الطائرة ومساعده، وهما منهمكان في قراءة مخطوط تقني بحثا عن مخرج من هذا المأزق، دون أن أفهم فحوى حوارهما الذي كان يصل إلى أسماعنا، جثمت على وجه البصري غيمة دكناء، أما جميل فإن ملامحه فضحت قلقا حاول عبثا إخفاءه، بينما انخرط السكرتير الخاص للبصري في نوبة قيء، وأخرج كل ما في جوفه من بقايا وجبة سريعة، أما أنا فكنت ملفوفا في همومي أهرب من قدري باحتساء ما تبقى في العلبة من سجائر، كي لا أفقد صوابي أمام البصري وجميل».
ارتبط الملك الحسن الثاني بواسطة الجهاز اللاسلكي بغرفة القيادة في الطائرة العسكرية، وشرع في إعطاء تعليمات تقنية للربان تجنبنا من الكارثة، وكان القائد يتتبع التوجيهات وهو يردد لازمة «نعم آمولاي»، بينما تبادل الجميع النظرات التي كانت تغني عن كل كلام، وغمرتهم فرحة لا مثيل لها لأن ملك البلاد يقف معهم في هذه المحنة، يتقاسم انشغالاتهم ويعيش مأساتهم، «حين التقانا الحسن الثاني لاحظت أن مولاي أحمد العلوي يشرح بدهائه للملك ما حصل في جوف الطائرة وكأنه كان رفقتنا، ويسخر من سكرتير البصري الذي حول ممرها إلى بركة قيء، حضرت لقاءنا مع الملك الحسن الثاني، الذي شكر الله على سلامتنا، وتسلم من يد البصري ملفات الأراضي المسترجعة التي لم تصلها، لحسن الحظ، شظايا القيء، وضعها جانبا وقرر عدم فتحها لأننا لم نتخلص بعد من تلك اللحظات العصيبة التي كنا فيها بين الحياة والموت».
غضب البصري لأن هاتف منزله أصيب بالصمم
عانى البصري من المرض بعد إعفائه من مهامه، وأحس بقساوة الألم في وحدته، لكنه رغب أكثر من أي وقت مضى في عرض آلامه على الأطباء في إحدى المصحات الفرنسية، على الأقل بعد إحالته على العطالة، فليس لإدريس ما يشغله الآن فكل الملفات الحمراء التي كان يتأبطها فقدت لونها وأحيلت على رجال المرحلة الجديدة، في ذروة الألم لم تتوقف السياط التي تنافست في جلد الوزير المخلوع، انتشرت الشائعات في محيطه كالنار في الهشيم، أشدها وقعا على قلبه ما كتبته إحدى الصحف «الوطنية» عن عزمه بيع أسرار الدولة إلى فرنسا، لكن المخزن الأرستقراطي فطن إلى ضرورة إسعاف الرجل الذي خدم النظام ومكنه من الحق في العلاج، والذي قضى أيام عمره في علاج أورام الجسم السياسي، وبالتالي تمكينه من إجراء عملية جراحية لاستئصال سرطان يزحف على الكبد. في آخر أيامه بالمغرب قبل أن يتحول إلى نزيل للمصحات الفرنسية، التقى لحسن بالبصري في بيته وهو منهمك في قراءة الصحف الفرنسية خاصة لوموند، ودار بينهما الحوار التالي:
من هم الأشخاص الأكثر استفادة من عطاياك؟
-إنهم ليسوا مجرد أشخاص بل فيالق، لكن للأسف هاتف منزلي أصيب بالصمم إنه لا يرن وكأن به عطب.
ليس هاتف البصري هو الذي توقف عن الرنين، بل إن بيته في طريق زعير لم يعد مزارا للسياسيين والصحافيين وعلية القوم، لكن قمة التنكر أن ترفض مصالح وزارة الداخلية تجديد جواز سفر الوزير وترفض منحه بطاقة تعريفه الوطنية.
«أشفقت لحال السي ادريس رغم أن حالي كان مدعاة للشفقة، كنت أعلم أن له مكانة لدى رئيس الجمهورية الفرنسية جاك شيراك، وأن هذا الأخير لا يقبل بانهيار الوزير الذي أعجب بتدبيره للشأن المحلي، كما أن الأمراء السعوديين لن يقبلوا بهذه النهاية الأليمة للبصري الذي كان له فضل كبير في تكوين الحرس الملكي السعودي، انتابتني نوبة ألم مزدوجة وأنا أعيش مع رجل الدولة آخر أيامه، حين انفض من حوله جمع المنتفعين وبحثوا عن مرافئ جديدة، فقد بكيت بحرقة على الملك الحسن الثاني حين انتقل إلى الرفيق الأعلى وغمرتني نفس الأحزان بعد أن تقرر دفن جثمان البصري في مقبرة الشهداء بالرباط بدل مقبرة سطات مسقط رأسه وقلبه. أذكر أنني كنت أستفزه في آخر أيام حياته بسؤال جارح إنك تحول كل المشاريع من الرباط إلى سطات، أخشى أن تنقل يوما صومعة حسان إلى عاصمة الشاوية».
عندما ترأس الحسن الثاني مجلسا وزاريا حول كرة القدم
بحلول شهر يناير 2014، تكون قد مرت 34 سنة على حدث لم يكن عاديا في تاريخ الرياضة المغربية، حدثٍ دفع الراحل الحسن الثاني إلى الإعلان رسميا، ولأول مرة في مجلس وزاري، عن إمساكه ملف كرة القدم ردا على الخسارة المهينة (5-1) أمام الجزائر في الدار البيضاء يوم 9 دجنبر 1979، في إطار التصفيات المؤهلة إلى الألعاب الأولمبية في موسكو 1980.
في كتابه: «مذكرات مدرب» يتحدث الإطار الوطني محمد جبران عن الخسارة أمام الجار الشرقي في ظرف سياسي واقتصادي متأزم، وكيف كان الملك والبصري يراهنان على هذه المباراة لتجاوز الحاجز النفسي الذي نشأ منذ الخلاف السياسي حول الصحراء وتنظيم المغرب مسيرته الخضراء سنة 1975.
عجلت تلك الخسارة بعقد الحسن الثاني مجلسا وزاريا يوم 7 يناير من سنة 1980 لدراسة مشكل كرة القدم بصفة خاصة ومشاكل الرياضة بصفة عامة. ومن بين الاقتراحات التي رفعت للحسن الثاني خلال تلك الجلسة إيقاف الممارسة لمدة سنة وإدماج الفرَق في إطار تصفيات تفرز توزيعا جغرافيا جديدا، فكان الرفض القاطع لهذا المقترح من طرف الحسن الثاني، الذي اعتبر موسما أبيض أمرا مستحيلا، على اعتبار أن كرة القدم هي خبز المغاربة في طبق الهموم اليومية.
عين الملك لجنة وطنية مهمتها دراسة المشاكل المتعلقة بكرة القدم وتهيئ الفريق الوطني لخوض المباريات الدولية المقبلة. ضمت اللجنة شخصيات حكومية وعسكرية، هي وزير العدل المعطي بوعبيد، وكاتب الدولة في الداخلية إدريس البصري، ووزير التربية الوطنية عزالدين العراقي ووزير الشبيبة والرياضة عبد الحفيظ القادري، ونائب رئيس البرلمان أحمد العسكي، والكولونيل حسني بنسليمان.
دافع البصري عن مدرب النهضة السطاتية جبران، وألحقه بالطاقم التقني المكون من فونتين حمديوش.