شوف تشوف

الرأيالرئيسية

عندما تُقلب الآية..

يونس جنوحي

في الوقت الذي تُخصص فيه حملات للتعريف بالمغرب ثقافيا وفي إطار الندوات والتظاهرات التي تحتضنها المدن المغربية، لجعل الأجانب يرون المغرب من زاوية دعائية، تذوب جليد الأفكار المسبقة التي يملكها الأوروبيون -على وجه الخصوص- عن المغرب والمغاربة، لا يزال الباحثون عن مغامرات «الهيبي» يترددون على المغرب منذ أيام «رولينغ ستون» وهلم جرّا.

قبل أيام أسدل الستار على مهرجان الصويرة، وهذا الأخير يحضره جمهور واسع من الأوفياء للتجوال والتسكع في شوارع الصويرة. حتى أن سكان المدينة التاريخية «العجيبة» لا يستغربون أبدا، عندما يرون شبانا أوروبيين، وأحيانا شابات في مقتبل العمر، يتسكعون جميعا في أحياء المدينة القديمة ويقدمون عروضا فنية في الشارع العام، ويطوفون بقبعات لجمع «الصرف» من المتفرجين.

هذا النوع من السياحة، بحسب الخبراء الأجانب، هو مستقبل التجوال في الكرة الأرضية. وهذا يعني أن الفنادق المصنفة لن تكون مستقبلا الوجهة الأولى لاستقبال السياح في كل دول العالم، وسوف تحل محلها «الهوستلز»، التي يتزاحم فيها الغرباء بالعشرات ويستعملون نفس دورة المياه وينامون جميعا تحت سقف واحد بأقل تكلفة ممكنة، لكي يقضوا اليوم في التجوال مشيا على الأقدام.

رغم أن هذا النوع من السياحة، الذي انفجر بشكل يفوق كل التوقعات خلال السنوات الأخيرة، يعتمد على تقليص النفقات بشكل يضر مصالح المنعشين والمستثمرين في مجال السياحة، إلا أنه يعود على دول كثيرة بالمنفعة، وتحصد من ورائه حملات دعائية لا يمكن تحقيقها حتى لو تعاملت مع كبريات الشركات الاستشارية في مجال الاستثمار السياحي في العالم.

لو أن المغرب تعاقد مثلا مع أكبر شركة استشارية في تسويق الإعلانات السياحية، لا يمكن أبدا أن يصل إلى الشرائح التي تأثرت بتجارب بعض الشبان، الذين وثقوا رحلاتهم عبر المغرب طولا وعرضا، باستعمال كاميرات هواتفهم النقالة فقط لا غير.

هذا النوع من السياح، أصبح يتمتع بسلطات تفوق بكثير سلطات الأمناء العامين لكل التمثيليات الاقتصادية ومنظمات الطيران المدني عبر العالم.

لو أن واحدا من هؤلاء المؤثرين الأجانب الذين جابوا العالم كله حرفيا، كتب سطرا واحدا عن رداءة الخدمات في مطار معين، أينما كان موقعه في الخريطة، فإن إدارة المطار لن تفلح أبدا في مواجهة حملة المقاطعة التي سوف يتسبب فيها هذا المؤثر، إلا إن وزعوا تذاكر مجانية على الجميع!

في المغرب، لا يزال القائمون على بعض المنشآت السياحية يشتغلون بالطريقة القديمة، ويبحثون عمن يطبع لهم «الكاتالوغ» الدعائي بنسخ محدودة لوضعها في بهو استقبال الفندق، وهكذا يضمنون ألا يقرأها أحد نهائيا، بمن في ذلك عمال الفندق أنفسهم.

وحتى عندما يفكرون في «الاستثمار» بالطريقة الذكية، فإنهم يلجؤون إلى خدمات من يسمون أنفسهم مؤثرين، ويدفعون بسخاء للأشخاص الخطأ.

لدينا في المغرب خلط كبير بين المؤثرين الحقيقيين المتخصصين في نوع من المحتوى الموجه إلى جمهور معين، وبين «بروفايلات» لأشخاص يجمعون حولهم جمهورا من الفضوليين. وهكذا صرنا نرى في المغرب عاطلين بدون أي مستوى أكاديمي أو مهني، يقدمون إعلانات لشركات العقار والمطاعم والملابس وحتى الأعشاب التقليدية.

في حين أن الدعاية عن طريق المؤثرين، تعتمد على مجال التخصص. لا يمكن أن تجد شركة طيران محترمة تتعاقد مع مؤثر، فقط لأنه يتوفر على صفحة يوجد بها مليونا معجب، بل يُراعى أن يكون هذا المؤثر مهتما فعلا بمجال السياحة، ولديه جواز سفر مزدحم بختم مصالح الجوازات بكل لغات العالم. عندها فقط يتعاقدون معه، لكي يُقحم شركاتهم في نصائحه الموجهة لجمهور من المهتمين بالسفر. أما عندما يأخذ المسؤولون المغاربة هذه «الموضة» بعين الاعتبار، فلا نستغرب حين نرى نكرة يجمع حوله آلاف تعليقات السب والشتم، يُقدم إعلانا لشركة تبيع الزليج، وفي اليوم الموالي يحل ضيفا على افتتاح معرض للقفطان، ويدافع عن التراث!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى