طفلة تكتب مذكراتها!
يونس جنوحي
طفلة كتبت مذكراتها سنة 1907 عندما زارت مدينة طنجة. وقد تكون أصغر كاتبة مغامرات في التاريخ بحكم أنها كانت لم تتجاوز السابعة من عمرها في ذلك الوقت. هذه قصة مثيرة بالتأكيد ولن تصادف مثلها كل يوم!
هذه المذكرات عبارة عن رسائل كتبتها طفلة من لندن إلى عمها عندما توجهت مع أسرتها في رحلة سياحية إلى طنجة.
توجد نسخة نادرة من هذه المذكرات في الأرشيف البريطاني وجاءت بعنوان «رسائل طفلة من المغرب». المقصود أن الرسائل من المغرب وليس الطفلة، وسبب الارتباك هنا هو صعوبة الترجمة. ففي العنوان باللغة الإنجليزية يُفهم بسهولة أن الطفلة أجنبية وأن الرسائل كُتبت من المغرب.
أما القصة وراء هذه المذكرات، التي لم يُكتب لها أن تكون شهيرة مثل مذكرات القناصلة والصحافيين والدبلوماسيين الأجانب الذين مروا من طنجة، فتستحق فعلا أن تُروى. كيف وجدت طريقها إلى النشر؟ كانت في لندن سنة 1907 تعرف رواجا لموضة جديدة هي كتابة المغامرات والمشاهدات. وهذه الرسائل التي كتبتها طفلة وقعتها باسم «Little Tangerine» جاءت ضمن سلسلة من المذكرات عن مغامرات لبريطانيين حول العالم، حققت مبيعات ضخمة في ذلك التاريخ بحكم أن الشعب البريطاني كان تواقا إلى اكتشاف الدول التي لا يعرف عنها أي شيء.
تقول هذه الطفلة في رسائلها إلى عمها إنها سمعت ذات صباح رجلا مغربيا رفقة ابنيه الصغيرين يتلو بعض الصلوات، وسألت مرافق أسرتها عما يفعله الرجل وأبناؤه فأخبرها أنهم يصلون لكي يهطل المطر. ثم كتبت إلى عمها تقول: «يُمكن أن يهطل المطر هنا في أية لحظة».
وصفت وجوه المغاربة الكالحين الذين يرتادون شوارع طنجة وأزقتها، وما أشبهم بالمغاربة الذين كتب الكاتب المغربي محمد شكري، من زماننا نحن، عن معاناتهم في سبيل لقمة العيش.
وفي رسالة أخرى تقول مخاطبة عمها في لندن: «أنا متعبة جدا اليوم وأستطيع الكتابة بصعوبة بالغة، لأنني لم أستطع النوم بالأمس، فقد كنا نترقب هجوم قطاع الطرق علينا. كان معنا خادمنا ومعه بندقيته المحشوة بالبارود ينام في الشرفة في حال هجومهم.
يجب أن أخبرك عن تجربة مرعبة بالأمس. خرجت رفقة مانويل والكلب للنزهة. وبينما كنا نستريح فوق الصخور قرب المكان الذي اختطف فيه الريسولي السيد «بيرديكاريس»، رأيت طفلة صغيرة جدا، وأردت أن أسألها إلى أين تذهب. اعتقدت أنه سيكون جميلا سماع لغتها العربية. إلا أنها صاحت فيّ: دعيني وشأني. وفجأة ظهر رجل غاضب ومنظره مخيف، سمعت لاحقا أنه قتل ثلاثة رجال خلف جبال الريف، وجاء إلينا قادما من بين الأشجار. لم يلمحنا في البداية إلا أنه بدا غاضبا وهو يرى فتاة نصرانية تكلم فتاة صغيرة ووحيدة. وقد رأيت رجال كثيرين يحملون بناتهم الصغيرات على أكتافهم ويسحبونهن بالقوة عندما يرون أنهن يتحدثن إلى رجال بريطانيين.
اعتقدت أنه من الأفضل الانسحاب والاختباء خلف الصخور والأحراش التي جرحت ساقاي».
تحمل هذه الرسائل التي جاءت في 104 صفحات تصورات كثيرة للأجانب عن المغرب، فالفتاة كانت تردد ما تم شحنها به عن المغاربة قبل مجيئها إلى طنجة.
بعد أكثر من قرن على هذه التفاصيل التي حكت فيها الطفلة الصغيرة عن مناظر من المغرب ووصفت أجواء عيد الأضحى الذي وصفت خلاله المغاربة بـ«الأشخاص الخطيرين الذين يحملون السكاكين وتتقاطر الدماء من ثيابهم ويجوبون بها الشوارع»، بالإضافة إلى مصاعب الحياة في طنجة وشظف العيش، لا يزال هناك سوء فهم كبير بين الأجانب والمغاربة المحليين. ولو أننا جميعا بين الضفتين نرتدي نفس الملابس ونحمل نفس الهواتف الذكية، إلا أن واقعة الاختباء بين الصخور، لا تزال سارية المفعول، ولا يزال سكان الضفة الأخرى ينظرون إلينا من تلك الزاوية.