طباخ الأمير: «مولاي هشام حلق رؤوسنا بماكينة جز الحيوانات وتفرج على مؤخراتنا»
عندما تأتي الشهادات من شخص كان مقربا من الأمير مولاي هشام، فلا يسع المرء إلا أن يقرأها بجرعة ثقة زائدة، لكن حين يصوب الكاتب فوهة قلمه نحو الشخصية الرئيسية لمؤلفه، فتلك حكاية تزيد من جاذبية المقروء وتدفع المتلقي إلى التهام السطور بشهية قراءة مفتوحة.
لم يتردد علي عمار، أحد الدعامات الأساسية في تجربة «لوجورنال» السابقة، في تسمية الأشياء بمسمياتها في بوح جريء في كتابه «مولاي هشام.. مسار طموح غير مضبوط»، وفي رواية أخرى «غير متزن»، الصادر عن دار النشر الفرنسية «بيير غيوم دو رو». عبر صفحات هذا الكتاب، الذي شغل المجتمع الإعلامي، كشف علي وجها آخر للأمير وقلب أوراقا قديمة لعلاقة توقفت بتوقف المنبر الإعلامي الذي كان يحتضن مولاي هشام وينشر غزواته.
نقرأ في مقدمة استهلالية للكتاب، ما يشبه «البروفايل» المختزل عن مولاي هشام، ليخلص إلى أنه «عرف كيف يرسم لنفسه صورة الديمقراطي، وصورة الأمير الأحمر، ذي الخطاب العنيد، قبل أن تتعرض الصورة للخدش بفعل عوامل التعرية بعد أن انفض من حوله حواريوه وصحافيوه.
سوق الأمير لنفسه صورة الرجل المضطهد من السلطة، وحاول تبني مقاربة عصرية إصلاحية في مواجهة ما يعتبره اضطهادا، مما مكنه من رصيد كبير من الطموح فاق كل التوقعات حتى أصبح فوق اللزوم.
سبق لعلي عمار أن تحدث في كاتب آخر عن مولاي هشام: «كان الأمير الأحمر يحلم، منذ سنوات، بأن يصبح العمود الفقري للمغرب الجديد، وفي الاجتماعات التي كنا نعقدها كان يقول إن تجربته يمكن أن تشكل إضافة إلى النظام».
أعاد الكاتب شريط اللقاءات التي جمعته مع الأمير مولاي هشام في الدار البيضاء والرباط، في المطاعم وبيوت بعض المقربين من الأمير، خاصة منزل فاضل العراقي والتهامي لكلاوي نجل الباشا لكلاوي، وهي الاجتماعات التي حضرها معاذ غاندي وبوكر الجامعي ومحمد حفيظ وعلي المرابط والحسين المجذوبي وتوفيق بوعشرين وبعض الفنانين واليساريين.
أوضحت سطور الكتاب حجم التعارض القائم بين المواقف السياسية الجريئة للأمير وتنديده بالأنظمة العربية في الشرق الأوسط، متهما إياها بالتزام الصمت تجاه مطالب المواطنين حول الديمقراطية والشفافية والمساواة، وهي المطالب نفسها التي فجرت «الربيع العربي».
لكنه يحمل نظرة مختلفة عن الوضع في منطقة المغرب العربي بسبب «معطيات جيوسياسية مختلفة»، لكن منطوق الخطاب الثوري للأمير يتعارض حسب علي عمار مع انشغالات رجل لا يبدو مهموما بمشاكل الوطن العربي، «كل الذين يعرفونه يعرفون أنه لا يحلل الوقائع إلا انطلاقا من ذاته، كل الذين تحلقوا حوله يعرفون أنه متسلط، أناني، لا يعطي إلا لكي يأخذ ولا يعطي إلا حيث يستفيد أكثر، لا يتكلم إلا عن نفسه».
يقول معارضو الأمير إن مولاي هشام شخصية متناقضة فهو ينادي بالمساواة والديمقراطية، لكنه لا يرفض «جواز السفر الدبلوماسي والإقامات والأملاك والأموال التي ورثها في عهد لعبت فيه الصفة الأميرية عاملا مهما في الانتشار والتوسع والتراكم».
في هذا الكتاب محطات تميط اللثام عن السلطة الأميرية الظاهرة والمستترة، وتكشف لعبة الوجه والقناع، ليس للأمير مولاي هشام وحده بل لكثير من الشخوص التي كانت تتدافع نحو محيطه.
مولاي هشام.. التلميذ الذكي/ الكسول
في الصفحة 39 يقول علي عمار في وصف الأمير ما يفيد نباهته وتألقه الدراسي، نسبة إلى تصريحات لأساتذته: «إنه تلميذ ذكي لكنه كسول»، في جمع «سوريالي بين صفتين نادرا ما تجتمعان في طالب نبيه». ويضيف أن مولاي هشام كان غالبا ما يبسط سلطته أثناء اللعب على رفاقه، وكان يبدي نوعا من الحسد، وأضاف استنادا إلى مصدر وصف بالحميمي أن نتائجه الدراسية لم تكن مطمئنة.
تختلف هذه الشهادات مع ما ورد في كتاب «الأمير المنبوذ» للأمير مولاي هشام، والذي أكد فيه تمتعه رفقة ابن عمه ولي العهد سيدي محمد «بحظوة كبيرة مقارنة به في حصص الرياضة أو حصص التدريب العسكري». وهو ما فندته روايات أساتذة بالمدرسة المولوية التي فاجأت الرأي العام بنفي «مرور» الأمير مولاي هشام بفصول هذه المؤسسة التعليمية التي أنشأها الراحل محمد الخامس، وذهبت الروايات إلى أبعد من ذلك حين قالت إن «الأمير مولاي هشام لم يشارك سوى في أنشطة قليلة بمعية ولي العهد سيدي محمد، تعد هذه الأنشطة على رؤوس الأصابع. والأمير مولاي هشام غادر سريعا الكشفية بعدما شارك مرة أو مرتين في أنشطتها، وذلك بسبب عدم ميله إلى الاختلاط بالمشاركين. في ما يتعلق بالرياضة، وبما أنه لم يكن في المدرسة الأميرية أو المدرسة المولوية، فإن الأمير لم يكن يشارك في الأنشطة الرياضية للأمراء. وبالتالي، فإن كل ادعاء بأن ولي العهد آنذاك سيدي محمد، كان ذا حظوة هو محض كذب صراح».
كما تم دحض كل ما قاله الأمير عن «تدريب عسكري مواز للمسار الدراسي»، لأن الأنشطة الوحيدة الموازية بالمعهد الملكي كانت ذات طبيعة ثقافية وفنية ورياضي.
سر الدورة التدريبية في المملكة الهاشمية
في نهاية سنة 1980 توجه ولي العهد الأمير سيدي محمد إلى بروكسيل حيث خضع لتكوين خاص في المجموعة الأوربية، بينما فضل مولاي هشام التوجه إلى الأردن، علما أن هاجسه المبكر هو إنشاء معهد مهتم بالديكتاتوريات، بل كانت نواياه تنصب نحو المغرب، وبعض دول التحول الديمقراطي.
بالمقابل، وبعد أن أنهى دراسته الجامعية، تلقى محمد السادس، حين كان وليا للعهد، وبعد حصوله على شهادة الإجازة حول موضوع: «الاتحاد العربي الإفريقي واستراتيجية التعامل الدولي للمملكة المغربية»، مكنته من الحصول على شهادة الدراسات المعمقة في العلوم السياسية والقانون العام بامتياز، (تلقى) تدريبا لمدة ستة أشهر بديوان جاك دولور، رئيس لجنة المجموعة الاقتصادية الأوربية آنذاك.
وهكذا قضى مولاي هشام فترة تدريبية بمعهد الأمير الحسن بن عبد الله بن طلال، ولي عهد الأردن السابق، دامت عامين، بناء على رغبته، ووفاء له اشتغل على الأردن، أما البلدان العربية الأخرى فهي بالنسبة له ذات أهمية ثانوية المهم هو ابتزاز الملكيات العربية قبل أن تأتي القطيعة ويتم الحسم معه.
رغم أن الأمير ولى وجهه قبل أمريكا وأوربا، إلا أنه عاد إلى الشرق حيث أسس في أبوظبي مكاتب «الطيار إينيرجي»، لكن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة للإمارات العربية المتحدة، طلب من الأمير مولاي هشام، إغلاق مكاتب شركته ومغادرة أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة نهائيا، وهو ما استجاب له على الفور. وحسب الروايات التي تناقلتها الصحف الأمريكية، فإن سبب الإجلاء يرجع لبعض مواقف الأمير من «الربيع العربي»، وإصراره على انتشار الثورة في «هشيم» البلدان الخليجية، سيما بعد المقال التحليلي الذي نشرته «لوموند دبلوماتيك» حول «الربيع العربي»، قال فيه إن «الشعوب العربية انتقلت من مستوى الرعية إلى مفهوم المواطنة والدفاع عنها وهو ما سيضمن استمرار الربيع العربي».
الإسلاميون والفبرايريون في الدعم سواء
يعود علي عمار بالذاكرة إلى شتنبر سنة 2013، وتحديدا تصريح عبد الله الشيباني، عضو اللجنة السياسية لحزب العدل والإحسان المحظور، حين قال: «إذا كان للمخزن من نصيحة فعليه أن ينصت لأقوال أحد أمرائه الأذكياء الذي لا يتردد في كل لحظة في إطلاق صافرة الإنذار وتحذير النظام من الإفلاس».
لكن الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك محمد السادس، ظل سباقا لمغازلة العدليين، حين بعث برقية تعزية إلى نادية ياسين، ابنة مرشد جماعة «العدل والإحسان»، غير المرخص لها، في وفاة والدها عبد السلام ياسين، الذي قال عنه علي عمار إن «رسالة إلى من يهمه الأمر» تشكل حدا فاصلا بين الفصيل والنظام.
وصف الأمير عبد السلام ياسين، في التعزية ذاتها، بأنه قضى حياته في الاجتهاد والتأليف والتربية، ووهب حياته للدفاع عن حقوق الشعب في العدالة الاجتماعية والعيش الكريم، معبرا عن «احترامه العميق لأخلاقيات نضال ياسين وتضحياته في سبيل مبادئه».
وساند الأمير بلا شروط مطالب شباب حركة «20 فبراير» الداعية إلى إصلاحات ديمقراطية في المغرب، انسجاما مع «الربيع العربي»، وقال مرارا إن المغرب لا يشكل استثناء، «توجد فيه مظاهر تشبه ما حدث في مصر وتونس، وتوجد أمور يختلف فيها عنهما». وأظهر رغبته الجامحة في تغيير الأنظمة من خلال حواراته وكتاباته في «نيويورك تايمز» و«لومند ديبلوماتيك»، كما جاء في الصفحة 32 من كتاب «مولاي هشام.. مسار طموح غير مضبوط»، وقال بدون تردد في أكثر من تصريح «أنا معجب بشباب الحركة وأفتخر بهم»، ودعا إلى «تحويل الملكية في المغرب إلى ملكية برلمانية»، مستدلا بالنموذجين البريطاني والإسباني.
الأمير مبعد من الصورة العائلية الرسمية
رغم أن الأمير مولاي هشام حضر إلى الرباط فور توصله بخبر وفاة عمه الملك الحسن الثاني، ووجوده في طليعة الموقعين على وثيقة بيعة الملك محمد السادس، التي تم إعدادها فور إعلان نبأ الوفاة، وتلا نصها عبد الكبير العلوي المدغري، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية.
وقع البيعة الأمير مولاي رشيد، وتلاه الأمير مولاي هشام، الذي قدم توا من الخارج، لذلك كان الوحيد الذي ارتدى بذلة عصرية عوض اللباس التقليدي المغربي. ثم وقع وثيقة البيعة بعده شقيقه الأمير مولاي إسماعيل، فرئيسا مجلس النواب ومجلس المستشارين، ثم أعضاء الحكومة، الذين تقدمهم الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، ومستشارو الملك ورؤساء المجالس العلمية، ورئيس المجلس الأعلى، والوكيل العام للملك، ورئيس المجلس الدستوري، والضباط السامون بالقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، ومدير الأمن الوطني ورؤساء الأحزاب السياسية.
يقول علي عمار إنه بالرغم من فداحة المصاب الجلل، فإن الأمير الأحمر لم ينضبط للطقوس المتعارف عليها في مثل هذه المناسبات، مضيفا أنه همس في أذن ابن عمه الملك محمد السادس بالقول: «الاختبار صعب كن يقظا». وفي الصفحة 46 من الكتاب انتقد مولاي هشام حضور كبار القادة العسكريين لحفل تقديم البيعة، وقال: «إنهم لم يرتدوا أحذيتهم العسكرية منذ انقلاب الصخيرات»، مما أغضب القيادة العسكرية وضباطها، وجعلهم «يتموقعون» في خندق المواجهة الخفية ضد الأمير الأحمر.
رغم حضوره الفوري ووجوده في طليعة المبايعين، ورغم أن الابنة الثانية لمولاي هشام زارت الرباط بعد شهر والتقت بابن عم والدها الملك، إلا أن هذه المبادرة العائلية لم تخلصه من صفة الأمير المنبوذ، حيث منع من التواجد ضمن مكونات العائلة الملكية خلال التقاط الصورة الرسمية التي نشرتها مجلة «باري ماتش»، إذ بتعليمات من القصر أبعد الأمير عن التشكيلة العائلية في إشارة واضحة إلى الموقف الرسمي من مولاي هشام.
عمر الرداد بين محامي الأمير ومحامي الملك
يقدم علي عمار مجموعة من الوقائع التي تؤكد حرص الأمير على الظهور في الأحداث الأكثر جذبا للأنظار، ويستدل بقضية البستاني المغربي عمر الرداد الذي أدين سنة 1992 بفرنسا بتهمة قتل مشغلته غزلان مارشال. لم يتردد مولاي هشام في دعم عمر الرداد بعد الضجة التي خلفها الحكم عليه بـ 18 سنة سجنا من طرف محكمة نيس. اتصل مكتب الأمير بمحامي الرداد وهو جاك فرجيس، لكن ذلك تم بعد صدور الحكم، إلا أن الأمير بحث عن محام آخر هو بول لومبارد، حين اعتبر دفاع جاك فرجيس الحكم «سياسيا أكثر منه قانونيا وهو الذي لا يحتاجه عمر الرداد في هذه الفترة».
تقول شهادات في الموضوع «منذ الرابع من فبراير 1992 بدأ الأمير ينسق ويعد دفاع عمر الرداد مع المحامي الجديد، ثم يتصل الأمير بعبد السلام الرداد والد السجين الريفي حيث يزوره بمقر إقامته بالرباط، ويتفق معه على أنه سيزور ابنه بالسجن في فرنسا لإقناعه بالتخلي عن محاميه جاك فرجيس وتوكيل المحامي الذي اختاره له الأمير مولاي هشام. وهو ما حدث فعلا يوم 7 مارس».
حصل خلاف في المسطرة الدفاعية إذ إن الملك الراحل الحسن الثاني أصر على استمرار المحامي جاك فرجيس للدفاع عن عمر من جديد، وهو المحامي الذي سيتم توكيله هذه المرة باسم الملك الحسن الثاني شخصيا فيما سيستقيل المحامي لومبارد قبل أن تتم إقالته»، في رسالة إلى من يهمه الأمر تقول مضامينها: «في النظام المغربي يجب أن يبقى الملك هو الشخص الوحيد الذي يجب عليه أن يدافع عن مواطنيه ويتلقى الشكر على ذلك». لذا كان على الحسن الثاني قطع أي علاقة للأمير هشام بالملف، بينما لم يفهم عمر الرداد داخل زنزانته سر هذه الورطة التي أوقعه فيها الأمير. لتنتهي القضية بتمكن الحسن الثاني من الحصول من جاك شيراك على عفو جزئي عن عمر.
مساندة من خلف الستار لبطل مغترب
خصص الكتاب جزءا لقضية بطل التيكواندو المغربي السابق زكريا المومني في صراعه مع منير الماجدي، أحد مستشاري ملك البلاد محمد السادس، ومساعي مولاي هشام لنصب فخ قضائي في فرنسا للماجدي. وهو الطرح الذي تبنته مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور» حين تحدثت عن «سيناريو المؤامرة التي أعدها مولاي هشام للإيقاع بالماجدي والتي قامت على تقديم شكوى سرية ضده بتهم تتعلق بتهديد ملاكم مغربي سابق بالقتل، تكفل الملاكم نفسه برفعها أمام القضاء الفرنسي».
لا تختلف أقاويل المجلة الفرنسية عما ورد في كتاب علي عمار، إذ أجمعا على أن «مخطط مولاي هشام سقط في الماء وفضح لأنه كان مبنيا على مزاعم كاذبة لا تتماشى مع الواقع، وهو ما تبين من نوعية المحامين الذين تطوعوا للدفاع عن زكريا وميولاتهم. «مولاي هشام يبحث عن نصب فخ لمنير الماجدي فحرض مواطنه المغربي زكرياء المومني على رفع دعوى قضائية في فرنسا زاعما فيها أن الماجدي هدده بالقتل، وحثه على تركها سرية وعدم كشف الأمر لوسائل الإعلام على أمل نصب فخ للسكرتير الخاص للملك المغربي محمد السادس».
بدأ الإعداد للمقلب يوم الخميس 26 يونيو 2014، في مطعم مارتا لو بار المتاخم لبهو نزل فوكتس باريار بضاحية باريس الثامنة، حيث التقى مولاي هشام سرا بزكرياء المومني، وهو بطل عالمي سابق في الملاكمة التايلاندية، ليقدم له تفاصيل التحرك ضد الماجدي الذي يبدأ بالشكوى للقضاء الفرنسي مع توفير الشهود انتظارا إلى أن يحين الموعد المفاجئ لاستدعاء المستشار الخاص للملك محمد السادس دون أن يكون على علم بالقضية، في سياق سعي الأمير وجهوده «للإساءة للمغرب ولمؤسساته، ومن ذلك التشكيك في نزاهة المؤسسة العسكرية وتشويه صورة الأجهزة الأمنية المغربية».
وكان المومني قد تقدم أمام القضاء الفرنسي بشكاية ضد المدير العام للمخابرات المغربية، مدعيا أنه تم اختطافه وتعذيبه في المغرب، وأن ملفه مفبرك علما أن قضايا الاحتيال ليست من اختصاص المخابرات المغربية. في الوقت الذي دعا فيه مولاي هشام المومني إلى مواصلة الترويج للملف، رغم أن القضاء المغربي أدان المومني بتهمة النصب في مجال الهجرة غير الشرعية بعدما تقدم مجموعة من الشباب بشكاية ضده أمام النيابة العامة بالرباط بعد أن أخلف وعده بتهجيرهم إلى أوربا.
سخاء الأمير مع الصحافيين
في محور أطلق عليه عمار اسم «الهجوم الإعلامي» واستهله بقولة شهيرة للصحفي علي لمرابط قال فيها: «بالنسبة لصحفي مثلي فإن الأمير هشام كان مصدرا جيدا وكفى». لكن الأمير لم يقتصر على استقطاب الصحافيين المغاربة بل امتدت عملية الاستقطاب لتشمل مجموعة من الأقلام في منابر إعلامية دولية سيما المعروفة بتحاملها على المغرب، على غرار إلباييس الإسبانية، ولوموند الفرنسية. ولأنه كان متابعا جيدا لما يقدمه الإعلام فإنه لم يتردد في المتابعة القضائية لمجموعة من المنابر كمجلة «أفريك أزي» وموقع «إيلاف» الالكتروني، الذي أورد مقالا عنوانه «المقال» في كل ما يصيب المغرب، فتش دائمًا عن مولاي هشام»، رغم أن المقال الذي كان موضوع دعوى قضائية لم يكن سوى إعادة «منقحة» لمقال مماثل صدر في «جون أفريك»، إضافة إلى جريدة الاتحاد الاشتراكي.
كان صحافيو «لوجورنال» و«الصحيفة» الأقرب إلى قلب و«جيب» الأمير مولاي هشام، بل إن علي عمار كشف في الصفحة 74 من كتابه عن ضخ الأمير لمبلغ مليون درهم لفاضل العراقي الشريك في الجريدة، من أجل «إنقاذ مجموعة من المعطلين من الانتحار في عين عتيق ضواحي تمارة»، وأضاف علي أن المعطلين تم توزيعهم على مؤسسات اقتصادية منخرطة في الفيدرالية العامة للمقاولات بتدخل من عبد الرحمن لحجوجي، كما تم توظيف معطل في الصحيفة كمسؤول عن الأرشيف».
وكشف الكتاب عن الدعم المالي الذي قدمه الأمير مولاي هشام لبعض الصحفيين كتوفيق بوعشرين والحسين المجدوبي، مضيفا أنه كان حذرا في التعامل مع آخرين. وأشار عمار إلى أنه مثل ما حدث لعلي لمرابط فإن الأمير مولاي هشام أرسل له مبعوثا إلى مكتبه أطلعه على نسخ من شيكات واعتراف بالدين موقعة من طرف بوعشرين ومجدوبي وثلاثة صحافيين آخرين.
وجاء في الصفحة 77 من الكتاب أن عبد الرحيم أريري المدير المسؤول عن صحيفة «الوطن الآن» كشف عن رغبة الأمير في دعم صحيفته بحوالي 20 مليون درهم، «وهو رقم قابل للارتفاع إلى 50 مليون درهم،»، مقابل دفتر تحملات يجعل الصحيفة تهاجم النظام وتجعل الرأي العام يقتنع بأن النظام مفلس، إلا أن عبد الرحيم رفض المقترح. كما حاول الأمير استقطاب صحافية الأحداث المغربية الراحلة لطيفة بوسعدان، من خلال وضعها في حالة استنفار لمواجهة لعنيكري، وهي المحاولة التي أجهضت في حينها.
ويرى الصحافيون المقربون من الأمير أن تأليف كاتبه «الأمير المنبوذ» «استغرق منه سبع سنوات، مع وجود تلميحات بكون رضى بنشمسي» هو من قام بتحرير الكتاب.
طباخ الأمير: «مولاي هشام حلق رؤوسنا بماكينة جز الحيوانات وتفرج على مؤخراتنا»
في المحور المتعلق بأسباب تصدع علاقات الأمير مولاي هشام بمحيطه، يثير علي عمار الوجه الآخر للرجل الحقوقي الذي يدافع عن حقوق الإنسان في وسائل الإعلام وفي المناظرات التي يحضرها أو يؤطرها، مقابل تعامل يفتقد الحد الأدنى للإنسانية مع الخدم الذين يشتغلون في ضيعته.
يقول عمار وهو يتحدث عن رجل أنهكته التجارب القاسية يدعى مبارك زويتينة، (لا ندري ما إذا كان زويتينة مجرد اسم شهرة لخادم الأمير أو اسما عائليا مدونا في دفاتر الحالة المدنية):
«عانى مبارك من طريقة تعامل فيودالية خلال فترة اشتغاله كطباخ لمولاي هشام، لكنه ظل بعيدا عن الأضواء يعاني في صمت كغيره من الخدم. حالة امبارك زويتينة غير معروفة لكنها تكشف عن الوجه الآخر للعملة، فهو ليس مجرد عون من أعوان الضيعة بل رجل مهنة بامتياز، كان مقترحا لمهمة طباخ رئيسي من طرف شخص فرنسي الجنسية شغل منصب مدير عام فندق هيلتون بالرباط في الفترة ما بين 1975 و2009، لكن امبارك رفض العمل في الفنادق وأصر على الاستمرار في مطبخ عائلة الأمير مولاي عبد الله شقيق الملك الحسن الثاني، الذي كان رجل ثقته في المطبخ، وحين توفي الوالد أصبح امبارك طباخا بالوراثة لابنه هشام الذي كان يعيش حياة الترف والبذخ، محاطا برجال حراسة أشداء، خلافا لما كان يردد في الصحافة العالمية والوطنية حين يقدم صورة قاتمة عن أحواله المعيشية ويدعي أن الحسن الثاني «ينكد» معيشته. كان مبارك يشعر بالمرارة وهو يقضي أيامه في الضيعة ويعاين سوء المعاملة التي يلقاها هو ورفاقه، وقال في حوار أجراه مع علي عمار سنة 2014 إن الأمير عاقبه بطريقة بشعة حين حلق له شعر رأسه بـ»ماكينة» تستخدم في جز وبر الحيوانات، وليس شفرة حلاقة للآدميين، وطلب منه الجلوس القرفصاء أمام قدميه أثناء مأدبة دعا إليها بعض أصدقائه في ضيعة عين عودة والتقط لي صورا. كان ذلك يوم 24 أبريل 1994».
يكتمل سيناريو الألم حين ينتهي المطاف بزويتينة عند حافة الفقر وهو الذي قضى أزهى حياته طباخا في قصور وضيعات الأمير مولاي عبد الله، لكنه اليوم يعيش ما تبقى من حياته في كوخ حقير بحي هامشي في مدينة سلا بعيدا عن الأضواء في حالة اكتئاب يقتات من جود وأريحية بعض المحسنين، وهو يقارن بين الأمس واليوم.
لكن المثير في قصة هذا الطباخ، هو ما أورده علي عمار في الصفحة 38 من كتابه، إذ يقدم رواية لزويتينة تكشف مدى استخفاف الأمير بالخدم الذين وضعوا تحت إمرته، وبعض السلوكات الغريبة التي تتنافى ومنطوق الخطاب الحقوقي للأمير.
«يقول مبارك: «كنا نستحمل كل أنواع الاحتقار والنذالة تلبية لرغبته في الترويح عن النفس خلال جلساته الترفيهية، كأن يحول بعضنا إلى هدف لهواية القنص التي يمارسها داخل الضيعة بالرصاص المطاطي، أو حين يرمي بعضنا في المسبح بلباسه ويتركه يصارع من أجل الانعتاق وسط قهقهات ضيوفه».
لكن أكثر المواقف بشاعة وغرابة في رواية زويتينة، ما كشف عنه من سلوكات غير سوية صادرة عن الأمير، حين قال: «كان مولاي هشام يجد متعة وهو يكاد يموت من الضحك عندما يضع أصبعه في مؤخرة بعضنا مصرا على تكرار هذا الفعل الغريب بين مستخدميه». وتبلغ السادية أعلى درجاتها حين يجد الأمير متعة، حسب نفس الرواية، وهو يتفرج على معاناة مستخدميه بعد أن يصب على أجسادهم ماء ساخنا، خاصة الأعضاء الحساسة من الجسم، ويجبرنا على التعري أحيانا أمام ضيوفه الذين يتابعون المشهد وهو في قمة الاستمتاع»، يقول مبارك الذي أنهى سنوات عمله مطرودا من سكن كان مخصصا له وغادره مقابل تعويض مالي قدره مليون سنتيم، حسب رواية عمار.