طاح الحك وصاب غطاه
لعل كل من يحمل في قلبه ذرة حب لهذا الوطن يحز في نفسه أن يرى كيف أصبح الشعب رهينة لدى طبقة سياسية فظة الخطاب طويلة اللسان، تقضي وقتها في التنابز بالألقاب فيما بينها تاركة القدرة الشرائية للشعب تتعرض لأعنف الضربات.
ومنذ قرابة أربع سنوات على وصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة أصبحنا الآن أمام وضع متردي ينذر بالخطر إلى الحد الذي يجعل من باب الخيانة القبول بهذا الوضع والسكوت حياله.
إن الشعب لا يدفع أجور النواب البرلمانيين والوزراء وتقاعدهم المريح من عرق جبينه لأجل أن يشغل هؤلاء وقتهم بصراعاتهم التي تشبه صراعات الديكة المنفوشة الريش.
إن معارككم التافهة وتنابزكم بالألقاب لا يهم دافعي الضرائب في شيء، فما يهمهم هو قيامكم بمسؤولية تحسين أوضاعهم الاجتماعية، وإنقاذ التعليم العمومي من الإفلاس، وتوفير الخدمات الصحية الأساسية للمرضى، وإصلاح الطرق ووسائل النقل العمومية للحد من نزيف حرب الطرق، وإنقاذ تقاعد الموظفين، وتشغيل العاطلين وتوفير الاستثمار وإنقاذ السياحة من الأزمة، وغيرها من الإصلاحات التي يجدر بكل حكومة تحترم نفسها أن تقوم بها.
وعوض القيام بكل ذلك تختار الطبقة السياسية، معارضة وأغلبية، أن تعطي عن نفسها صورة منحطة، تساهم في تردي الوضع السياسي والاجتماعي العام.
إنهم يشتكون مع اقتراب كل موسم انتخابات عن عزوف الشعب عن السياسة، والحال أن ما نعيشه هو عزوف السياسيين عن الشعب.
معارضة تهدد بمقاطعة جلسات البرلمان، رئيس حكومة ينسحب من البرلمان بعدما هدد المعارضة بدفع الثمن، نقابات عمالية تقاطع احتفالات فاتح ماي وتهدد بمقاطعة جلسات الحوار الاجتماعي، رئيس الحكومة ينزل ليسير مكان العمال في فاتح ماي ويقول أن له مطالب وشكاوى يريد بثها للطبقة العاملة، زعيم حزب الاستقلال يسأل رئيس الحكومة عن علاقته بداعش وجيش النصرة والموساد، رئيس الحكومة يتهم شباط بالسرقة ووضع يده في يد تجار المخدرات، ويصف لشكر بالطاغية ورمز الفساد واللص الذي يقتسم الغنيمة مع شباط.
رئيس الحكومة يقول إن حياته في خطر وأن هناك من يريد إسكاته بكل الطرق، وإذا طلبوا منه أن يذهب لحال سبيله فسيذهب وأنه يتمنى أن يستشهد في سبيل الله، لشكر يطالب باستقالة الحكومة وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، شباط يطالب بدوره بانتخابات سابقة لأوانها مثلما وقع لحكومة عباس الفاسي عندما داهم الربيع العربي، موخاريق رئيس النقابة يهدد بشن أشكال احتجاجية قد تلحق ضررا بليغا بالحكومة، طبعا يقصد الإضراب في القطاعات الحيوية التي تسيطر عليها نقابته وشل عصب الاقتصاد الوطني.
رئيس الحكومة يعترف في خطاب فاتح ماي أنه لم يحسن الأوضاع خلال الأربع سنوات التي قضاها في الحكومة ومع ذلك يقول إنه رئيس حكومة مناضل وأنه سيحاول فعل شيء قريبا لتحسين أوضاعكم، ولكي يعطي الدليل على صدق ما وعوده يزيد في الغازوال والبنزين في نفس يوم فاتح ماي.
رئيس الحكومة يصف خطاب المعارضة بالسفاهة ولشكر يقول له أنت هو السفيه فيجيبه رئيس الحكومة أنت أكبر سفيه. وقريبا ستصبح لغة أسئلة السادة نواب الأمة كالتالي «السادة السفهاء المحترمين السيدات السفيهات المحترمات». رئيس الحكومة يصف المعارضة بالمرتزقة ويهنئ نفسه بأن النقابات لم تنزل للمشي في فاتح ماي.
وبعدما كان يقول إنه يعتمد في قيادته للحكومة على الله ودعم صاحب الجلالة، قال في خطاب فاتح ماي أنه يعتمد في قيادته لسفينة الحكومة على الله وحده دون سواه، وأن المعركة ليست بين أغلبية ومعارضة أو بين حكومة ونقابات ولا بين حزب وآخر، بل هي مواجهة بين الخير والشر.
الصديقي وزير التشغيل قال في حوار له بأنه يبرع أبناءه بخمسة ملايين في الشهر، دون أن يفكر للحظة واحدة أن 13 مليون مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر، وأن سبعة ملايين مغربي يعيشون بأقل من عشرين درهما في اليوم.
ودون أن يرف له جفن قال إنه سرح الماعز عندما كان صغيرا واليوم يسرح البشر، أي المغاربة الذين يدفعون له أجرته الشهرية التي يبرع بها أبناءه. «دابا ولينا بهايم أسي الوزير».
هذا الحزب الشيوعي الذي يدعي التقديمة، والذي كان يضج بالقيادات والأطر، لم يعد يرشح للوزارات سوى عديمي المسؤولية والكفاءة. وإذا كان سهيل وزير التشغيل السابق قد أبعد من الوزارة في التعديل الأول بسبب جرأته الزائدة عن اللزوم وقدومه إلى مقر البرلمان ورائه الخمر تفوح من فمه، فإن خلفه في كرسي الوزارة السي الصديقي يترنح في تصريحاته دون أن يكون قد احتسى أي شراب مسكر. فأن يعتبر الوزير أن المغاربة بهائم يسرحها في ضيعته فهذا منتهى «التعربيط».
يا إلهي ما هذا البرلمان وما هذه الحكومة التي ابتليتنا بها ؟
برلمان لا يتورع نائب فيه عن الكشف عن بطنه المشعرة، وآخر لا يتردد في عض يد زميله، ورئيس الحكومة يتحدى منافسيه أن يترشحوا ضده ويفوزوا بمثل أصواته، ويراهن خصومه أنهم إذا ربحوه فإنه يلتزم بأن لا يضع مؤخرته في البرلمان، قبل أن يفطن إلى زلته ويعوض مؤخرته بقدمه.
ووزير الحكامة يصرخ في وجه برلماني ويطلب منه أن يذهب ليمارس القوادة، وبرلماني دخل ثملا إلى القبة وعوض أن يجلس فوق كرسيه جلس فوق المنصة، وثالث استغل وجود الملك في البرلمان ورمى رسالة يطلب فيها حل مشكلته مع البنك.
واضح أذن أن السفهاء ليسوا هم من يوجدون في المعارضة أو في الحكومة، وإنما السفهاء «ديال بصح» هم نحن الذين ندفع من ضرائبنا رواتب هؤلاء البرلمانيين والوزراء الذين يهملون واجباتهم اتجاه الشعب وينشغلون بسب وشتم بعضهم البعض
ومثلما حذرنا الله تعالى في كتابه عندما قال جل من قائل «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم»، فإن واجبنا اليوم هو أن نحذر الشعب من هؤلاء السفهاء ونقول له «ولا تؤتوا السفهاء أصواتكم».
فقد ظهر أنه ليس الشعب من يعزف عن السياسية وإنما السياسيون هم من عزف عن الشعب.
وإلى جانب كل هذا الهراء والسفاهة السياسية التي تنشغل بها الطبقة السياسية يفاجئ البنك الدولي الجميع ويقرع ناقوس الخطر ويقول أن الدين الخارجي يلتهم 31 بالمائة من الدخل الوطني الخام وأن المديونية ارتفعت من 2013 إلى 2014 ب18,03.
وربما هذه هي المعجزة التي تحدث عنها الداودي في بني ملال وقال إن الحكومة حققتها.