ضريبة النجاح
كما كان متوقعا، تحركت آلة التبخيس والشيطنة في مواجهة الأمن الوطني مباشرة بعد انتهاء الأيام المفتوحة في دورتها التواصلية الناجحة، التي نظمت بفاس وعرفت حضور أكثر من مليون شخص للتتبع المباشر لما تقوم به الأجهزة الأمنية لحماية الأشخاص والممتلكات.
كان متوقعا أن تتحرك آلة الشيطنة مرة أخرى، في محاولة جديدة وفاشلة من لدن من جعلوا تجارتهم الإعلامية هي العمل اليومي والمؤدى عنه لصياغة صورة ذهنية سلبية لدى الرأي العام، وتصوير المؤسسة الأمنية على أنها مؤسسة غير مرغوب فيها وأن المنتسبين إليها يبحثون عن أي طريقة للفرار منها، ضاربين المثل بموظفين في الأمن الوطني استقروا ببلاد المهجر ورفضوا العودة إلى أرض الوطن، بعد أن غادروا لقضاء إجازاتهم السنوية، مستفيدين من رخص مغادرة التراب الوطني التي يفرضها القانون على هذه الفئة من الموظفين.
وبطبيعة الحال، وجد بعض المستثمرين في تجارة المس بالاستقرار الوطني الفرصة سانحة، لكيل وابل من التهم لاسترداد الرقعة التواصلية التي فقدوها خلال الأيام المفتوحة، وكأن «الحريگ» مرتبط بإدارة واحدة، وكأن التفكير في مغادرة التراب بشكل شرعي أو غير شرعي خصوصية أمنية، والحال أن الرغبة في الهجرة حق مكفول لكل مواطن مهما كانت وظيفته أو مهمته.
نحن لسنا من دعاة التغاضي عن أية أخطاء أو تجاوزات فردية يمكن أن يقوم بها أفراد المؤسسة الشرطية، ومديرها العام عبد اللطيف حموشي يقف بلا هوادة على تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى أصبحنا نحلم بأن تمتد عدوى المحاسبة والمساءلة والتواصل إلى باقي الوزارات والإدارات والمؤسسات العمومية، ولكن سنظل ضد وضع هاته المؤسسة الاستراتيجية في منصة الاستهداف الرخيص و«التنياش» المشبوه بسهام الحقد والمقايضة تنفيذا لأجندة سياسوية وجيواستراتيجية داخلية وخارجية.
ثم إنه إذا كان من المقبول أن ننتقد هروب الموظفين من إداراتهم بسبب الوضع الاجتماعي فقط، لأن خمسة أشخاص أو حتى مئة من 100 ألف قرروا مغادرة سلك الأمن، فذلك يمكن أن ينطبق على إدارات لم تتحرك قيد أنملة من أجل إصلاح الوضع الاجتماعي لأفرادها، أما المؤسسة الأمنية فقد حققت منذ 2016 قفزات غير مسبوقة من أجل توفير البيئة المادية واللوجيستية والاجتماعية اللازمة للقيام بواجباتها الدستورية والقانونية، وهذا يعني ببساطة أن جهاز الأمن، الذي يؤدي اليوم ضريبة النجاح، إذا وجد القيادة المسؤولة والمتابعة الدقيقة والمحاسبة اللازمة والبيئة الداعمة، بإمكانه أن ينجز المطلوب منه وأكثر، وهو ما تقوم به المديرية العامة رغم عمليات الاستثمار الرهيب والفاشل في ضرب رمزيتها والمس بصورتها الذهنية والمحاولات البخيسة لفصلها عن الاحتضان الملكي والشعبي.