شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

صندوق العجب 

 

 

 

سيزورنا شهر رمضان بعد أسابيع قليلة، حاملا معه إحساسا نادرا بالدفء والأمان والكثير من «النوستالجيا»، التي ترحل بكل واحد منا إلى ذكريات عزيزة قابعة في ثنايا قلبه. لقد شكلت دراما رمضان، في الماضي، جزءا من الذاكرة الجماعية من المحيط إلى الخليج. اقترن الشهر الفضيل، في مخيلة الأجيال المتعاقبة، بأعمال تلفزية ظلت راسخة في الذاكرة. إذ تناول العديد منا «زلافة د الحريرة» وهو مندمج مع أحداث «ليالي الحلمية» و«أرابيسك» و«الحاج متولي»، أو مستمتع بروح النكتة المراكشية للمرحوم عبد الجبار الوزير في «دار الورثة»، أو متابع ليوميات «عائلة سي مربوح» ومغامرات «الربيب».. وغيرهم كثير ممن ساهموا في إثراء «الريبيرطوار» الدرامي المغربي- العربي. غير أن الملاحظ، في السنوات الأخيرة، هو التحول الكبير الذي طرأ على وتيرة الإنتاج التلفزي في بلادنا. فبعد أن كان المشاهد ينتظر المسلسلات و«السيتكومات» سنويا «مع تقدية رمضان»، أصبح، اليوم، أمام إنزال مكثف للأعمال الدرامية على مدار السنة.

احتل نوع مثير للحيرة من المسلسلات المغربية شاشات القنوات الوطنية ونظيرتها الخليجية الناطقة بالدارجة. وهنا يكمن مربط الفرس، حيث يبطل العجب من وفرة الإنتاج إذا كانت أموال طال عمرك هي السبب. إن المتابع لما تقدمه الدراما التلفزية المغربية، في العقد الأخير، سيلاحظ، لا محالة، أنها أصبحت مجرد نسخ رديئة من الدراما المصرية والأمريكية، أو عبارة عن «روسيكلاج» للخردة التركية والكورية. تلاشت اللمسة المغربية من معظم الأعمال المعروضة حاليا: ديكورات غريبة لا تشبه بيوتنا، حبكات تافهة لا تحترم ذكاءنا وشخوص جامدة تفتقر للعمق الدرامي. أما الحوارات فحدث ولا حرج.

يبدو أن صاحب «الشكارة» مستعد لصرف ملايين السنتيمات لدفع رواتب «بوطوكسات انستغرام» اللواتي يستحوذن على أدوار البطولة المطلقة، في الوقت الذي يبخل فيه عن تخصيص ميزانية محترمة لكتابة الحوار، هذه الأخيرة التي غالبا ما يتم إسنادها إلى السيناريست أو المخرج، رغم أن كتابة الحوار، كما هو معلوم، تعتبر مهنة مستقلة بذاتها ولها دور مفصلي في العمل الدرامي.

تنتج عن هذا العبث مسلسلات وأفلام بحوارات فقيرة مثيرة للسخرية وللقرف أحيانا. لا يخفى علينا التناول السطحي والرديء لصورة المرأة المغربية في الدراما، حيث تنحصر هذه الصورة في أربع شخصيات على أبعد تقدير، أبرزها دور البدوية الجاهلة سليطة اللسان، وهو دور تم ترسيخه بشكل مبتذل جدا، أو دور الزوجة الشريرة المتسلطة التي تتعاطى لأعمال السحر والشعوذة، أو دور الزوجة المعنفة مكسورة الجناح.. إضافة إلى دور الفتاة اللعوب التي ينتهي بها الأمر غالبا إلى «سرقة» زوج صديقتها المقربة. كلها قوالب درامية ليس الغرض منها رصد نماذج اجتماعية، وإنما إدانة المرأة واختصارها في ثنائية الشر والقهر، هذه الأخيرة التي تكرس السرديات الذكورية التقليدية، التي تحشر المرأة في زاوية الغواية والضعف العاطفي والفكري.

قد يجادل البعض في أن ما يعرض على الشاشات انعكاس لأنماط سلوكية موجودة في المجتمع، وهو طرح صحيح، غير أنه لا ينطبق على المنتوج السينمائي، بقدر ما ينطبق على الأعمال الوثائقية والتقارير الإخبارية، مثلا، التي يقتصر دورها على نقل الواقع كما هو. إن دور العمل الدرامي ليس تقديم نسخ كربونية للحياة والإنسان، بل تتجاوز مهمته ذلك إلى خلق مفهوم مواز عن واقع الأشياء، وهو الأمر الذي يعجز عن فهمه صناع الفن في المغرب. إذ يبدو أن فهم هؤلاء يقتصر فقط على حساب أموال الدعم، أو تبني شعار «الجمهور عاوز كده». هذا الشعار الفاسد، الذي دمر أجيالا من الإنتاجات السينمائية والتلفزية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على حد سواء. صحيح أن قطاعات عريضة من الشعب تستمتع بالرداءة وتشيح بمشاهداتها عن الأعمال الهادفة، مما يطرح عائقا ماديا حقيقيا أمام المنتجين، غير أن التمادي في إرضاء هذه النوعية من المتفرجين محض عبث. إن دور النخبة هو الارتقاء بالعامة وتهذيب سلوكها وصقل عقولها، وليس العكس.

أمام هذه النمطية والابتذال في طرح صورة المرأة المغربية على وجه التحديد، نتساءل، أو بالأحرى نسائل القائمين على المجال الفني في بلادنا عن جدوى اجترار الحبكات المتجاوزة والقصص الرديئة، أو استيراد «جوطية» الأعمال التركية، هذه الأخيرة التي ما أن تخلصنا من دبلجتها الركيكة، التي أصابتنا بالشلل الرباعي، حتى تسللت إلى «بلاطوهات» التصوير، لنتفاجأ بممثلين مغاربة يقومون بأداء نسخ كاريكاتورية لشخصيات تركية أو كورية. ألا يستحق التاريخ المغربي، الحافل بالأحداث السياسية والعسكرية والوطنية، إلقاء الضوء على منجزاته وتخليدها في أعمال سينمائية وتلفزية؟ أين نحن من دراما السياسة ودراما التاريخ؟ هل يتوفر «الريبيرطوار» السينمائي المغربي على فيلم في مستوى «طيور الظلام» مثلا؟ ألا تستحق الشخصيات الفكرية، كالجابري وشكري وغيرهما، عملا يتيما يحتفي بفكرها ونضالها؟ ألا تملك كاميرا المخرج الجرأة لتوثيق المطبات السياسية والحقوقية التي شهدتها بلادنا سابقا؟ هل ماضي المغاربة وحاضرهم ومستقبلهم يتمحور فقط حول الزواج والطلاق، والتعدد وقصص الدعارة المسيئة و«المعاطية بين الشعيبية وكبور»؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى