شهادات حية لتُجار شاركوا في الإضراب العام وأغلقوا دكاكينهم
يونس جنوحي
أُعلن عن المرسوم الفعلي وعُمم على جميع أصحاب المحلات المغاربة وجاء فيه «أمر بالإغلاق ليوم واحد». كان هناك اتفاق مفاده أن يلتزم الجميع بهذا الأمر وينفذوا الإضراب. وبدأت الآراء مرة أخرى تتباين بخصوص كيفية التنفيذ. نُفذ الأمر فعلا، وأعلن قادة حزب الاستقلال عن ذلك وسجلوا بعض الاستثناءات القليلة، إذ إن أصحاب المتاجر والمحلات شاركوا مشاعر الحزن التي خيمت على البلاد واستجابوا للإضراب بشكل عفوي.
أنكر الفرنسيون هذه الحقيقة ووجهوا التهمة لمنفذي أعمال الشغب والاعتقالات التي تلت الإضراب ولجوء العصابات التي اجتاحت الأسواق وأجبرت التُجار على إغلاق الدكاكين، إلى العنف.
لا أدعي أن الأجوبة التي حصلتُ عليها، عن طريق تحرياتي الخاصة، صحيحة تماما. في المُجمل طرحت السؤال نفسه على ستين أو سبعين شخصا من أصحاب المحلات في مدن مُختلفة. بعضهم اختاروا ألا يُجيبوا عن السؤال وآخرون وافقوا على أن يُغلقوا محلاتهم، لكن أجوبة الآخرين فيها إشارة إلى حدوث أمر غير عادي.
قال لي بعض التجار المنتمين إلى مجموعة صغيرة في بلدة جهوية:
-«نحن لا نهتم بالسياسة. إننا تُجار، لكننا تلقينا الأوامر. ليس من حزب الاستقلال بل من طرف تجار البيع بالجُملة الذين يُزودوننا بالسلع من فاس. إنهم يُناصرون حزب الاستقلال، نحن نعلم هذا الأمر. لقد تلقينا تحذيرا صريحا مفاده أننا إن لم نُغلق دكاكيننا، فإننا قد لا نحصل على الامدادات من السلع مستقبلا».
قال تاجر آخر:
-«التجربة التي عشتُها كانت مختلفة قليلا. فقد جاء عدد من أعضاء حزب الاستقلال المحليين لرؤيتي، وأشاروا، بأدب لكن بحزم، إلى أنني إن لم ألتزم بقرار الإغلاق، فإنه لا أحد من أعضاء الحزب سيشتري مني أي شيء مرة أخرى. وحيث إنهم أشاروا إلى بعض زبائني الجيدين، فإنني التزمتُ بقرار الإغلاق».
قال لي صاحب محل تجاري في فاس:
-«لم تكن لدي رغبة في أن أغلق محلي، لكن عصابة من الشباب جاؤوا إلي وقالوا لي إنهم سيقتحمون محلي ويسرقونه إن لم ألتزم بالقرار».
سمعتُ هذه الشكوى عشرات المرات، وفي واحدة منها أو اثنتين تم استعمال العُنف فعلا:
-«لقد جاؤوا إليّ أياما قليلة قبل القرار وقالوا لي إن عليّ أن أغلق محلي. قلتُ لهم لا. في الصباح الموالي كان بابي قد غُطي كليا بالقاذورات وحدث الأمر نفسه في اليوم الموالي أيضا. وهكذا قررتُ أن أغلق المحل. عليّ أن أكسب عيشي من خلال التجارة».
عندما ذكرتُ هذه الحالات لبعض أصدقائي من حزب الاستقلال عبر لي بعضهم عن سخطهم، بعضهم لم يُصدقوا هذه الوقائع وبعضهم عبروا لي عن قلقهم.
لقد كانوا جميعهم تقريبا رجالا بنوايا وميول مسالمة، وعبروا عن تفهمهم لكون خطوة قرار الإغلاق شُوهت تماما عندما بُنيت على بث الخوف في النفوس.
مع ذلك لا يمكن إنكار انتشار الخوف بين الناس ولا أستطيع هنا أن أقيس مدى انتشاره.
بغض النظر عن الاعترافات الصريحة المتعلقة بهذا الأمر، كان هناك دائما احتمال أن يكون الخوف حاضرا أيضا في أذهان أولئك الذين فضلوا ألا يجيبوا عن سؤالي. صحيح أنهم ربما أظهروا لي ذلك التحفظ المغربي الطبيعي، رغم أن الناس عموما تحدثوا إليّ بما يكفي من الحرية، إلا أنهم قد لا يثقون في عواقب التحدث بلسان غاية في التحرر.