شوف تشوف

الرأي

شركات مجهولة ورؤساء جاهلون

حسن البصري
يحكى أنه في بداية 2016، صدر قرار يقضي بتحويل الأندية الرياضية إلى شركات مجهولة الاسم والعنوان والهوية، وقيل إن المنخرطين سيختفون تدريجيا من المشهد الكروي، بسبب استنزاف احتياطي التصفيق، وسيتحول الحياحة إلى أجراء بعد أن كانوا خبراء، وسيتحول الرئيس إلى باطرون كامل الأوصاف، يطالب الجامعة باستبدال نقط الربح والخسارة بالعملة الصعبة، وسيعلن اللاعبون المعتزلون استعدادهم لنيل صفة نقابي تلف ذراعه شارة عمادة لا يفرط فيها، وقيل إن غدا لناظره قريب.
لكن مرت الشهور وابتلع رؤساء الفرق ريق الشركة، واعتبروا القرار سابقا لأوانه، ورددوا في صلواتهم «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا»، وأعرضوا عن ذكر الشركات وتمسكوا بحبل الجمعيات التطوعية.
في الجموع العامة تتحدث التقارير الأدبية عن التحول والقطع مع الهواية في تدبير مال الكرة، وتصر التقارير المالية على أن المال العام لا يدخل خزائن الفرق، ويقدم خبراء الحسابات شهادات الزور في حق تقارير تنبعث منها رائحة التسيب.
ذات جمع أعلن رئيس فريق عن برنامجه الانتخابي، وقدم لائحة بأسماء مسيرين نصفهم اعتزلوا اللعبة السياسية وقرروا خوض مباريات الكرة، داعيا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية والتعامل مع الأبناك الإسلامية والتعاقد مع مدرب له باع طويل في الدين قبل الدنيا. قال إنه سيحاسب الرؤساء السابقين الذين جاؤوا للملعب حفاة وغادروه وفي أفواههم سيجارة كوبية الصنع، بل وراهن على مصادرة أموالهم ومنحها لبيت مال المسلمين، كما دعا إلى تحريم حركة الالتراس ومصادرة أغانيها وطبولها، وتعيين هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المدرجات، وسيحل برلمان الفريق ويعلن حالة الاستثناء.
رفضت إدارة النادي الترشيح، وأحالته على مخبر تكلف بإيصال الخبز إلى الفرن، وفي اليوم الموالي وجد المرشح نفسه أمام المحققين.
أغلب الفرق الرياضية ترفض التغيير وتصر على أن تظل أسيرة لعبة التصفيق، لأن تحول الجمعية إلى شركة سيفتح النوافذ أمام الحكامة ويلجم قلم رئيس يمكنه بجرة قلم أن يعقد صفقات بملايين الدراهم دون الحاجة لوازع قانوني أو منطقي أو أخلاقي حتى، سيما أن قضاة جطو لا يملكون تأشيرة دخول مقرات الأندية الرياضية، وأجهزة الحفاظ على المال العام أصبحت تحت رعاية شركة حفاظات.
حين تشرق شمس الشركات يصبح المسؤول مجرد عنصر عادي، ليس لديه أي فرصة «للفساد» بمعناه المتعارف عليه، وليس من صلاحياته توقيع عقد بالملايين ولا الإشراف على أي مناقصة أو حتى التعاقد مع خبير ولا حتى مدرب لياقة أجنبي، أما هامش الفساد المسموح به فإنه لا يتجاوز إجراء مكالمة هاتفية مع زوجته من هاتف الشركة أو استعمال «فوطوكوبيوز» المؤسسة في تصوير صفحات من كتب الطبخ تلبية لملتمس من زوجته التي لا تحترم حقوق مؤلفة الكتاب.
ولأن الكرة ارتبطت بالثراء السريع وأصبحت ملقحة ضد غارات قضاة المجلس الأعلى للحسابات، وكأنها معفاة من الحساب الأدبي والمالي، فإن كثيرا من رؤساء الفرق اغتنوا من صفقات خارج الرقابة، أحدهم ضمن التقرير المالي للنادي خانة باسم مصاريف التضامن مع غزة، فاستغرب المستخدمون وقالوا في قرارة أنفسهم «التفاتة تضامنية.. ففي المقربين أولى».
تقول توقعات أحوال السنة، إن تضخما رهيبا سيضرب الكرة، وستنزل أسعار استقدام اللاعبين والمدربين إلى أقصى معدلاتها، وستصبح جامعة الكرة راعيا رسميا لبرنامج «الخيط لبيض»، لفض منازعات قبيلة الكرة دون إحداث ثقوب في ميزانية الأندية، وفي ظل مناخ الكساد الكروي ستفتح وكالات القروض الصغرى فروعا لها في مقرات الفرق المغربية حتى يظل اللاعب حيا لا يرزق إلا بقرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى