شوف تشوف

الرأي

“سينما” ما بعد الوباء

يونس جنوحي

التقيت، أول أمس، مع صديق مغربي يعمل في شركات إنتاج دولية مع منتجين عالميين من هوليوود. وأخبرني أن وباء كورونا خلق مناصب شغل إضافية، في قطاع تصوير الأفلام العالمية. كيف ذلك؟
في الأفلام العالمية طبعا، أصبح هناك منصب عمل في وحدة الإنتاج، مهمته مراقبة اختبارات “كوفيد- 19” في أوساط العاملين والممثلين. إلى هنا تبدو الأمور مثيرة، لكن الأكثر إثارة على الإطلاق، أن منتجا عالميا هذا الشهر خسر ما مقداره 50 مليون سنتيم مغربي كل 48 ساعة لأزيد من شهر من الزمان، على اختبارات فيروس كورونا لصالح العاملين لديه وجلهم مغاربة بطبيعة الحال، باستثناء المشرفين على الإنتاج والممثلين العالميين.
ولكم أن تتصوروا حجم الأموال التي صرفها هذا المنتج طيلة مدة اشتغاله في المغرب للتصوير، حيث اشترى قصة فيلم بملايين الدولارات من كاتب أمريكي معروف، على أساس أن يحولها إلى فيلم يجري تصوير أحداثه بفاس والدار البيضاء ومراكش. لكن المنتج كان يلغي التصوير دائما بحجة الضباب أو الشمس القوية التي لا تناسب تصوره للفيلم، فقد كان منتجا ومخرجا للمشروع السينمائي الضخم. وفي الأخير فوجئ أعضاء الطاقم من فنيين ومصورين وإداريين بإلغاء الفيلم أساسا، وتأجيله إلى مستقبل آخر، لا يعلمه إلا الله والمنتج المجنون الذي صرف أموالا طائلة دون نتيجة، فقط لأنه لم يكن راضيا عن الجو.
هذه الواقعة التي حكاها لي الصديق الذي يعمل في مجال الإنتاج، تجعل الواحد منا يقف مع نفسه قليلا ليتأمل واقع صناعة السينما في المغرب، ومشاريع الأفلام عموما، سواء للشاشة الكبيرة أو للتلفزيون.
هل هناك منتج مغربي واحد يستطيع أن يصرف على فريق العمل الذي يتجاوز عدد أفراده في بعض المشاريع الـ100 تقني وفنان، وربما أكثر في أعمال أخرى، 50 مليون سنتيم كل يومين، حتى يضمن ألا يحول مكان الإنتاج إلى بؤرة للوباء؟
نحن في المغرب لم نصل بعد إلى مرحلة اشتغال المنتجين، ما لدينا في المغرب منفذون للإنتاج، أي أنهم ينتظرون صرف أموال الدعم أو شطر منها، ثم يتولون طريقة صرفها على إنتاج الفيلم. سياسة التسبيق على المداخيل، التي أثارت طيلة سنوات الكثير من الجدل، حول طرق صرفها، وسيطرة “مُنتجين” دون غيرهم على “المارشي”.
أناس يربحون المال من الأفلام، وليسوا مستثمرين فيها نهائيا.
لذلك نسمع كثيرا من ممثلين مغاربة مقتدرين ومحترمين أن منتج الفيلم ومخرجه اختفيا نهائيا، مباشرة بعد بيع الفيلم، ولم يصرف لهم المنتج مستحقاتهم. وإذا كان هذا حال الوجوه المعروفة في السينما والتلفزيون المغربي، فكيف سيكون حال التقنيين وجنود الخفاء الذين لا يعرفهم أحد، ولا يجدون من يستمع إليهم، ليسجلوا قصصهم بدورهم مع المنتجين الذين يحصلون على الدعم لإنتاج الأفلام، فيُخرجونها بأنفسهم تقليصا للمصاريف. وتصبح “الأفلام” الحقيقية هي التي يمارسونها ضد التقنيين حتى لا يحصلوا على مستحقاتهم، بينما التي يعرضونها للعموم لا تمت لصناعة الأفلام بصلة.
كل الأعمال العالمية التي صورت وستصور خلال مرحلة الوباء، سوف يكون في “الجينيريك” إشارة إلى أسماء العاملين في منصب المسؤول عن إجراءات اختبارات الإصابة بفيروس كورونا، الذين سهروا على السلامة الصحية لفريق العمل في كل أنحاء العالم. وسوف نرى في المغرب ماذا سيكتبون لنا في “الجينيريك”، ونحن لم نر إلى اليوم أي فيلم مغربي يتوفر على لقطة داخلية في قطار متحرك، أو مشهد وسط البحر، أو حتى لممثل مغربي يخرج من وسط الحريق. بل لم نر بعد أي مشهد لممثل مغربي يجري تحت المطر. هل تعرفون لماذا؟ لأن المنتج دائما يكون قلقا على سلامة “الكاميرا”، وليس على خيال المشاهدين.
فالمُشاهد بالنسبة إليه ثانوي جدا، بينما “الكاميرات” تبقى دائما تابعة لوكالة كراء معدات التصوير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى