سياسة الحزام والطريق
فاطمة ياسين
ترغب الصين في تعزيز مكانتها وحضورها الاقتصادي بأسواق العالم، وهي تفكر بأنها لا تستطيع تحقيق ذلك من دون أن تبني طرقا وممرات آمنة، ذات طاقة استيعابية كافية، تنقل عددا كبيرا من البشر، وكميات ضخمة من البضائع، وكل ما تستطيع حمله من البيانات، فقدمت مبادرة «سخية» تعرض فيها استثمارا كثيفا، فتتعاون شركاتها العملاقة مع شركات محلية، وتباشر بناء الممرات الآمنة، والهدف النهائي الوصول إلى جنوب بحر العرب، لتبقى على مقربة من المنطقة الغنية بالنفط في الخليج العربي، والوصول إلى البحر المتوسط، مع التركيز على جنوب أوروبا الغربية. كما ترغب الصين في أن يصل مداها إلى أقصى الشمال الأوروبي، حيث المياه الباردة، وهي أيضا تولي أهمية لبلدان كإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، لا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق بحري يعبر مضيق ملقا، ويكمل ليقطع البحر الأحمر وقناة السويس، وصولا إلى مياه المتوسط، تسميه الصين طريق الحرير البحري.
وتعتقد الصين، بما لديها من فائض مالي غزير وحجم ديموغرافي هائل، أن هذه مؤهلات كافية للسيطرة على العالم القديم كله، عن طريق تخليق تلك الممرات. ومن أجل تجنب الغضب الأمريكي، لا تأتي الصين على ذكر الوجه الآخر من الكرة الأرضية الذي يضم أمريكا من الشمال إلى الجنوب.
يسير المشروع ببطء شديد، ويلقى استجابات متفاوتة، وأحيانا يلقى حماسا، وقد بدأت بالفعل الكثير من مشروعات الطرق والجسور والسكك الحديدية، في دول واقعة على المسارات المحددة، بالعمل، من دون ملاحظة فروق في النسب المئوية للتنمية.
لا تظهر الصين رغبتها بمكاسب سياسية من هذا المشروع، وتركز أكثر على الاقتصاد والتنمية، لكن الواقع يقول إن المشروع ذو جوهر سياسي واضح، فمشاريع البنية التحتية التي تراهن عليها مبادرة الحزام والطريق ذات مردودية منخفضة نسبيا، وتتطلب كلفة استثمارية عالية، وخبرات خاصة، ما يجعل رأس المال الطموح يهرُب إلى قطاعات أخرى. لكن ما يريده رأس المال الصيني من هذه المشاريع هو العمر الافتراضي الطويل، الذي يبدأ للطرق والجسور والسكك الحديدية من 25 عاما، وقد يصل إلى خمسين، ما يضمن للصين وجودا طويلا قد يؤسس لبناء قواعد دائمة يمكن توسيعها باستمرار، وقد يسمح بوجود عسكري لحماية تلك المنشآت من عدو افتراضي.
ترغب الصين في بناء ستار خاص بها ومناطق تمكن حمايتها في عمق دفاعي يتجاوز أراضيها بكثير، ويصل حتى إلى أراضي الخصم في أوروبا، بإلقاء طعم الاستثمار والتنمية وزيادة الثروات، ويمكن بالفعل تأمين عائد استثماري لهذه المنشآت، لكن من دون أن تحيد عن هدفها السياسي والاستراتيجي، ومع استمرار أدائها وظائفها المدنية، وبغض النظر عن العواقب البيئية التي لا تعطيها الصين الاهتمام الكافي.
يحاول هذا المشروع من ضمن ما يضمره من حمولات سياسية، فصل دول أمريكا عن العالم القديم، وتحديدا فصل أمريكا عن حلفائها بأوروبا، وتقريب السواحل البعيدة بالشمال والجنوب الأوروبيين من الصين، وتنجح الصين، حتى الآن، في تجنب الإيديولوجيا في طرحها هذا المشروع، ما يوجِد له معجبين حتى بأوروبا.