«سونارجيس» التي تحكم ولا تسود
وضع امحند العنصر أثناء «سهره» على قطاع الشباب والرياضة المغربي، لوحة في مكتبه كتبت بالخط الكوفي، عليها عبارة «العجلة من الشيطان»، لم يفهم أحد مغزاها إلا بعد أن غادر الرجل الوزارة ركضا وهو يولي وجهه صوب كرسي الجهة. لم يجرؤ عميد الحركيين، على ملء المناصب الشاغرة وترك الحبل على الغارب، معتبرا مقر الوزارة مجرد باحة استراحة.
دخل العنصر الوزارة وهو يعلم أنها بدون كاتب عام، وبدون مدير شركة تدبير الملاعب، وبدون مدير لمعهد تكوين الأطر، وبدون مدير للملعب العائم. وبدون رؤساء أقسام ومصالح حيوية، وغادرها كما دخلها آمنا. دون أن يبلغ على الشلل الذي تسرب إلى وزارة تحمل شعار الجسم السليم على الكرسي السليم.
منذ حوالي عامين، أعلن خليل بن عبد الله، مدير الشركة المغربية لتدبير وتسيير الملاعب المغربية، استقالته وراح يبحث لنفسه عن عمل آخر في أرض الله الواسعة، بعد أن أغلق محمد أوزين صنبور الدعم، لأن المدير من أقارب الوزير السابق منصف بلخياط، وظلت الشركة بدون رأس مدبر لكن دون أن تتأثر أحوالها، حيث ظلت تعيش على العفاف والكفاف والغنى عن ناس الوزارة.
تشرف «سونارجيس» على مجموعة من الملاعب التي بنتها الحكومة، وتضع لائحة أسعار لكل فريق يرغب في لعب الكرة، خاصة في المنشآت الرياضية الكبرى، كملاعب مراكش والرباط وطنجة وفاس، ثم أكادير، ولم تسلم من زحف الشركة سوى الملاعب البلدية التي لا فرق بينها وبين المجازر البلدية إلا بنوعية الأطباء واختصاصاتهم.
باستثناء ملعب الأمير مولاي عبد الله الذي بناه الصينيون سنة 1983، فإن كل الملاعب التي تشرف عليها «سونارجيس» بلا اسم ولا عنوان، وكأنهم أطفال متخلى عنهم مجهولو الأصول لا يتوفرون على دفاتر الحالة المدنية. لهذا يجد كثير من الصحافيين حرجا في تسمية ملاعبنا، فيصفونها بالملاعب الكبرى.
قال أحد المحققين في أعمال شغب عرفها ملعب مراكش، إنه وجد نفسه في موقف حرج وهو يبحث عن تسمية لمسرح الجريمة، وحين وصفه بالملعب الكبير نبهه رئيسه إلى ضرورة إضافة كرة القدم لأن أكبر ملعب في مراكش هو ملعب الكولف.
يصر أهالي طنجة على تسمية ملعبهم «ملعب ابن بطوطة»، لكن المستندات الرسمية لـ«سونارجيس» تعتبره بدون اسم أو لقب، وتكتفي بالاسم المتداول «الملعب الكبير»، ليس لأن ابن بطوطة لا علاقة له بالكرة، بل لأن التسمية تحتاج إلى قرار من مجلس المدينة وتزكية من وزارتي الداخلية والشباب والرياضة وموافقة من أسرة الرحالة ومسطرة معقدة جعلت نصف ملاعبنا «بلدية». كما يصر أهالي أكادير على تسمية ملعبهم «الكبير» بملعب «أدرار» وتعني بالأمازيغية الجبل، لكن الشركة «طلعت للجبل» وأصرت بدورها على تسمية الملاعب بأحجامها لا بتاريخها أو جغرافيتها.
أغلب هذه الملاعب عانت من طول فترة البناء، وحين انتهت الأشغال تأخر التسليم وبعده انتظر الجميع الإعلان عن حفل التدشين، وحين دشنت تأخر تعيين المدير، وحين عين المدير أقيل الوزير الذي عينه، بل إن ملعبا واحدا تعاقب عليه خمسة وزراء.
دشن ملعب الأمير مولاي عبد الله في صيف سنة 1983 بمناسبة انطلاق ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وهو من برج السرطان الذي جعل كل من رمت به الأقدار للعمل في ملعب تطارده لعنة هذا الداء. أما ملعب مراكش فهو من مواليد برج الجدي، لذا عرف بصبره ضد أعمال الشغب. فيما انتهت أشغال بناء ملعب فاس سنة 2003 وتم الافتتاح في 2007، وهو ينتمي إلى برج القوس عاشق الحرية الخارج عن حكم البلدية.
دشن ملعب طنجة في أبريل وهو من مواليد برج الثور العنيد الذي لم يتوقف عن نطح اتحاد طنجة. بينما خرج ملعب أكادير إلى الوجود في شهر أكتوبر وينتمي إلى برج العقرب، الذي يميل إلى الاختفاء في خلوته كناسك متعبد.
لا يعاني الملعب من أزمة هوية فقط، بل إن سجله العدلي يؤكد وجود سوابق في الشغب وفي الفساد، تزكيها خصائص برجه الفلكي، لكن رغم جميع سوابقه ورغم جميع حرائقه، فحب الكرة «سيبقى يا ولدي أحلى الأفكار».