روسيا وسلاحها الأخطر
فاطمة ياسين
بدا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، متقدما بعدة خطوات على نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، عندما حذر من أي استخدام للأسلحة الكيميائية، وقد اختُبرت روسيا في سوريا، حيث استُخدم هذا السلاح لإرهاب المجموعات المعارضة المحاصرة، ما يعجل باجتياح المنطقة بخسائر أقل. وفي أوكرانيا واجهت القوات الروسية صعوبات في محاولة تطويق كييف، فأطلق بايدن تحذيراته الكيميائية، ولكن بوتين غير تكتيكه، عندما حول تلك القوات نحو الشرق والجنوب، لإحكام الحصار على ماريوبول ومناطق الدونباس الانفصالية. وعلى سبيل التصعيد، هددت روسيا على لسان رئيسها السابق، ديميتري ميدفيديف، بنشر سلاح نووي في الشمال على الحدود مع فنلندا، بما يعني أن روسيا تحاول رسم خط جديد يمثل حدودا تفصلها عن حلف الناتو، يمتد من الشمال على الحدود الفنلندية، مرورا بدول البلطيق وبيلاروسيا، ووصولا إلى أوكرانيا التي يرغب بوتين في عزلها عن البحر الأسود، وفصل الدونباس عنها، وربطها بمعاهدة تبقيها بعيدة عن «الناتو». والسلاح النووي الذي أشير إليه، يمتلك قدرة تدمير أكبر وذات طبيعة استراتيجية. واستخدامه، أو التهديد به، يعني تخطيطا طويل الأجل، وقد استعمل هذا السلاح مرة واحدة في الحروب، وما زالت آثار استخدامه موجودة.
لم تنته الحرب العالمية الثانية بانتحار هتلر، ولا بدخول الاتحاد السوفياتي والحلفاء الغربيين برلين، وإسقاط حكومة الرايخ الثالث، وتوقيع من بقوا من القيادة الألمانية صك استسلام غير مشروط. انتهت عمليا بإسقاط قنبلتين نوويتين على مدينتين يابانيتين. أرادت الولايات المتحدة من ذلك عرض حجم القوة التدميرية التي تملكها، وتُجبر اليابان على التوقف عن الحرب، وليشهد العالم كله حفلة ألعاب نارية من نوع مبتكر، تُظهر الذراع القوية التي أصبحت الدولة الغافية على الشاطئ الآخر من الأطلسي تتمتع بها، وكأن الرسالة موجهة بشكل خاص إلى الاتحاد السوفياتي الذي وصل إلى قلب برلين، بوسائل حربية تقليدية، فحينها لم يكن يمتلك قدرات نووية، وبقدر ما أوجدت قنبلتا هيروشيما وناكازاكي من رعب أجبر اليابان على الركوع لأمريكا، أوجد هذا السلاح حافزا لدى الدول الأخرى التي شاركت في الحرب على الوصول إلى الحافة النووية، وخصوصا الاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا، فلم تلبث هذه الدول أكثر من عشر سنوات على نكبة هيروشيما، حتى تحولت جميعها إلى أعضاء بالنادي النووي.
ينظر بوتين الآن إلى الشمال وحدوده الطويلة مع فنلندا، ويطلق تحذيرات بشأن دخولها إلى حلف الناتو، ويرغب في إبقائها بحالة تشبه الحالة الأوكرانية، وفنلندا التي كانت خاضعة للقيصر حتى ثورة البلاشفة، وشاركت قواتها مع الألمان في حصار لينينغراد، رضخت للضغط السوفياتي، وقبلت أن تتنازل عن عشرة في المائة من مساحتها، مقابل الحفاظ على الاستقلال، بعدما ربطها ستالين باتفاقيات تبقيها بعيدة عن الغرب، وهي الاتفاقيات التي منعتها من قبول مساعدات مشروع مارشال الأمريكي.. ورغم أن فنلندا ذات نظام برلماني ديمقراطي حر، إلا أن سياستها كانت تراعي الاتحاد السوفياتي، وقد اعتمدت نهضتها الصناعية ورفاهيتها بعد الحرب على المداخيل الكبيرة للتجارة مع السوفيات، وأصيب اقتصادها ببعض العطب والركود، إثر سقوط الشيوعية. ورغم ذلك، أبقت على أواصرها السابقة، ولم تنضم إلى حلف الناتو. لكن أصواتا فيها بدأت تعلو اليوم تحذر من خطر بوتين، ومن جغرافيتها التي تجعلها في موقف يشبه الذي تعاني منه أوكرانيا.