شوف تشوف

الرأي

رعب التوازن أو توازن الرعب

كان تصرفنا كالمخمورين، بفارق أننا لم نكن نعي تماماً ما الذي سيحدث للكون في حال اندلاع الحريق النووي؟‍!
هذا ما صرح به الجنرال الأسبق (لي بتلر LEE BUTLER ) قائد القوة النووية الأمريكية الضاربة، والمسؤول عن تطوير الرؤوس النووية الاستراتيجية، مصمم خارطة العالم النووي القادم بموجب 12500 موقع يجب تدميرها نووياً يوم القيامة النووية.
السكران يتمتع لحظات سكره الأولى، وينسى بؤس العالم إلى حين، وفي النهاية يطيح أرضاً؛ فيرفس من حوله، أو يتقيأ على نفسه.
المشكلة في (ثمالى) القوة النووية أنهم لم يعرفوا إلى أين ستفضي حالة السكر النووية؟!
تطوير (70000) سبعين ألف رأس نووي، بكلفة ستة آلاف مليار دولار، موجهة إلى 12500 هدف أرضي، تصل إلى أي نقطة بمدى ثلث ساعة، بخطأ لا يتجاوز 15 متراً، منها خرائط تفصيلية لمسح مدن بالكامل (كييف) من وجه البسيطة؟‍! لماذا كييف تحديدا لا نعرف؟
هذا ما أدلى به الكاهن الأكبر السابق للسلاح النووي، وانقلب إلى أشد المعارضين لاستخدامه. ولكن ما الفائدة؟
واسأل به خبيرا، ولا ينبئك مثل خبير؟! تطوير سبعين ألف رأس نووي بكلفة ستة آلاف مليار دولار. يقول الخبير: كانت رحلة طويلة على مدى نصف قرن، تعرضنا فيها إلى اهتزاز عاطفي ورعب وضغوطات أقرب إلى الموت كما وصف نفسه.
صرفت أمريكا خلالها ستة ملايين مليون دولار (6000000000000 ستة أمامها 12 صفراً) طورت خلالها ما يزيد عن سبعين ألف رأس نووي (70000 NUCLEAR HEAD) بنماذج بلغت (مائة وست عشرة 116) بدءًا من قنبلة هيروشيما بعيار 18 كيلو طن من مادة ت. ن. ت، ثم صعوداً وتكبيراً (MAXIMIZING) لحجم الهول النووي، بتطوير القنبلة الحرارية النووية (الهيدرجينية HYDROGEN – BOMB) بعيار خرافي فلكي بقوة تفجير من مستوى (مليون طن ـ ميجاطن من مادة ت ـ ن ـ ت فوصلت جرعة التفجير في الستينات إلى ما يزيد على قوة هيرشيما بثلاثة آلاف مرة (قنبلة الجروباتس الروسية بعيار 58 ميجاطن، وفكر البنتاغون بتطوير أخرى بعيار 100 ميجاطن، لولا شعوره أن ما عنده يكفي لمسح البشر والمدن من مسطح الأرض عشر مرات؟!).
ثم تطوير الجيل الثالث بتكثيف جرعة الإشعاع على حساب الضغط والحرارة؛ بحيث يقضى على البشر فقط، ويتم استلام مدن وآليات نظيفة من بني آدم (قنبلة النيوترون NEUTRON-BOMB) ولم تكن نظيفة بحال، إلى رحلة النزول وتصغير الحجم (MINIMIZING) بحيث أنتجت قنابل صغيرة من عيار أجزاء من قنبلة هيروشيما، يمكن استخدامها بحشوها بالمدفعية.
ومن كرات التفاح الصغيرة هذه حمل الحلفاء في حرب الخليج الأخيرة من كل فاكهة زوجان، ما يقرب من 600 رأس نووي صغير، على ما روته مجلة (الشيفرة CODE) الألمانية.
ولا يستبعد أن يكون العراق قد هُدِّد باستخدام السلاح النووي في حال مد يده إلى السلاح البيولوجي أو الكيميائي، كما لا يستبعد استعمال محدود له، بموجب التقارير التي نقلت عن ارتفاع نسبة الأطفال المصابين بسرطان الدم في منطقة البصرة، بفعل تسمم البيئة وآبار المياه باليورانيوم، وهناك أخبار عن تطوير ألغام أرضية نووية من حجم صغير ضد الفرق المدرعة، ولا يستبعد أن يكون الجولان مزروعا بهذه الفصيلة من القنابل. طورت أمريكا بجانب الرؤوس النووية نظام حمل هذه الرؤوس، وهي التقنية التي ولدت من رحم النظام النازي، في نهاية الحرب الكونية الثانية، عندما طوَّر هتلر نظام الصواريخ ف 1 وف 2 (v1 & v2) لضرب بريطانيا من الساحل الفرنسي (لمدة ستة أشهر قصف لندن بحوالي 1100 صاروخ من هذا النوع). أمريكا اليوم طورت ما يزيد عن (خمس وستين 65) نموذج قذف صاروخي.
مسحت أمريكا خلال نصف قرن الماضي الجو الخارجي بتطوير نظام الساتلايت (الذي تحول إلى شبكة الدشوش الزاحفة على سطوح المنازل) والبر من خلال تطوير نظام كمبيوتري (الإنترنت الذي يلعب عليه الأطفال اليوم ويشكل نظام ربط عالميا علميا) كما رسمت قيعان البحار بخرائط تفصيلية، استعداداً للضرب النووي من لجة البحر العميق، من غواصات نووية مستخفية بالليل ساربة بالنهار، تحمل في بطنها معالم الحريق النووي. خرائط قيعان المحيطات (الكارتوجرافي CARTOGRAPHY) يستفيد منها اليوم صيادو الحيتان والأخطبوط، وتصمم بموجبها غواصات من نموذج (الطائر العميق الجيل الثاني DEEP-FLIGHT-II) تتحمل الضغط إلى عمق 11000 أحد عشر ألف متر، ويكتشف في القاع عشرة آلاف مليار طن من مادة (الميتان المبللور CRISTALIZED METHAN) طاقة تكاد لا تعرف النفاد، تخاطب الإنسان هذا عطاؤنا فأمسك أو انفق بغير حساب؟
في المقابلة التي أجرتها مع الجنرال (بتلر) مجلة الشبيجل الألمانية (دير شبيجل DER SPIEGEL) وجهت له سؤالاً حرجاً استفتحت به المقابلة، وهي عادتها في تفجير الأسئلة المربكة والحساسة:
جنرال (بتلر) كان من المحتمل إذا جد الجد وشمرت الحرب عن ساقها، أن تضغط بإصبعك على الزر النووي؛ فتنطلق صواريخ الترسانة النووية الأمريكية بكامل طاقتها الجهنمية تدمر الأرض عشرات المرات؟
أجابهم وقد اعتدل في جلسته ووضع رجلاً على أخرى يعرِّف بنفسه على وجه الدقة: نعم بكل تأكيد. ربما أعلم ذلك أكثر من أي إنسان آخر على وجه البسيطة!
كل مستقبلي وعملي العسكري كان مرتبطاً بالسلاح النووي.
كنت أُدَرِّس نظرية الردع النووي في أكاديمية القوى الجوية لطلابي. كنت أحلق بالقاذفة B52 تحمل في أحشائها الرؤوس النووية. مؤخراً كنت أنا من يقود الزحف النووي العالمي. تحت قيادتي كامل القوة النووية الاستراتيجية الأمريكية بما فيها القاذفات والصواريخ المساعدة في البر والبحر.
كنت أساهم في تطوير الرؤوس النووية. وكنت أنا من يقرر كيفية استعمالها. أنا من جلس في مفاوضات التسلح أو مراقبة نزع التسلح. كنت أقدم خدماتي لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية كخبير في الأسئلة النووية. وأريد أن أفيدكم بإضافة معلومة أن كل خطط الهجوم النووي في حالة القيامة النووية كانت تحمل توقيعي.
لم يتردد الجنرال (بتلر) في إظهاره مدى الهدوء وضبط النفس التي كان عليه أن يتحلى بها، يتفادى بها أخطاء استعمال السلاح النووي، بسبب قوة تدميرها غير العادية، ويقرر أن العالم أدرك خطورة تفجير رأس نووي واحد، ليصل في النهاية إلى لمس السؤال الجوهري للعصر النووي، أي كيف عامل السياسيون والعسكريون العدو المرشح للتهديد بالسلاح النووي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى