دواعي الحوار مع الآخـر
د. محمد ديـرا
وفر الإسلام أساسا قويا للحوار مع الآخر في مختلف الموضوعات، ويتجلى ذلك في اعتباره أن مبدأ الاختلاف بين الناس سنة من السنن الكونية، وأن الله خلق الناس من ذكر وأنثى وجعلهم شعوبا وقبائل بهدف التعارف والتواصل، ودعاهم إلى التعاون على البر والتقوى، وقد باشر النبي صلى الله عليه وسلم الحوار عمليا مع أتباع الديانتين النصرانية واليهودية، وجاءت وثيقة المدينة متضمنة لأسس التعايش والتعاون ومشجعة على استمرار الحوار، كما دعا إلى الانطلاق من أرضية مشتركة «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله» (آل عمران:64).
وإذا أردنا أن نستقصي المنطلقات والأسس التي يمكن أن تكون حافزا للحوار مع الآخر فسنجد منها الكثير، وسنكتفي في هذه المقالة بذكر بعضٍ منها فقط:
1- أصل البشر:
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء» (النساء: 1)، ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله تعالى الناس جميعا بعبادته وطاعته، ويذكرهم بأنه خلقهم من نفس واحدة هي نفس آدم عليه السلام، وأنه خلق حواء منه زوجا له، وأنه خلق ونشر في الأرض من آدم وحواء بشرا كثيرا رجالا ونساء، وهذا يعني بوضوح أن أصل المجتمع الإنساني واحد مهما اختلفت أديانهم أو أجناسهم أو ألوانهم أو ألسنتهم، وقد جاء هذا صريحا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم من آدم وآدم من تراب». وقد كان من نتيجة التناسل البشري بدءا من آدم عليه السلام وحواء تكاثر الناس، وانقسام الأسر والعائلات، ونشوء فروع متعددة عرفت بالقبائل والشعوب والأمم، واختلفت ألوانهم وتعددت لغاتهم، وإلى هذا يشير قول الله تعالى: «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم» (الروم: 22).
2- التعاون بين الشعوب:
أساءت الكثير من الأمم عبر التاريخ فهم الحكمة من التنوع البشري، وجعلوه سببا للحروب والعداوات، فحصلت بذلك معارك لا تحصى، وأبيدت شعوب بأيدي جيرانها أو الطامعين في ثرواتها، لكن الإسلام وجه البشر جميعا إلى الوجهة الصحيحة في هذا الأمر، وبين لهم حكمة الله تعالى في تعدد الشعوب والقبائل خلافا لكل المفاهيم الجائرة السائدة في العالم، فجاء قوله تعالى في كتابه العزيز: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (الحجرات: 13). «فهذه الآية الكريمة قاعدة ثابتة للبشرية كلها، وملخصها: لم نجعلكم أيها الناس شعوبا وقبائل لتتقاتلوا ويدمر بعضكم بعضا، ولكن جعلناكم كذلك لتتعارفوا وتتعاونوا، ومعلوم أن «التعارف» هو قيام كل شعب بالتعرف على الآخرين، و«المعرفة» فهم الغير كما هو في واقعه، وهذا الفهم يؤدي إلى الانسجام والاطمئنان والأمان المتبادل، فلا يتحقق تعاون بين شخصين على شيء إلا إذا تعارفا وتفاهما، وأَمِن كل منهما كيد الآخر وشره» (محمد أحمد كعنان، العيش المشترك في الإسلام والمسيحية، ص: 179).
وللتعاون بين الناس طريقان: التعاون على الخير والتعاون على الشر، وقد ذكرهما الله تعالى في القرآن الكريم في قوله: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» (المائدة: 2). ولا شك في أن التعاون المطلوب الذي يجب على الناس أن يقوموا به هو التعاون على الخير، وعلى كل عمل صالح للفرد والمجتمع، للنفس وللغير، ولا يتحقق هذا النوع من التعاون إلا إذا توفر في الإنسان دافع الحب للآخر انطلاقا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، ولكن البشر ليسوا سواء، ولا يتعاونون دائما على حب الخير، ولو كانوا كذلك لما عرفت البشرية كل هذه الأزمات والحروب.
3- العدل أساس التعاون:
يفهم من معنى كلمة «التعاون» وجود تكافؤ بين الطرفين المتعاونين وتبادل للعون بينهما، بحيث يمد كل منهما يد المساعدة للآخر عند الحاجة، فإذا اختل هذا التوازن تحول التعاون إلى تحكم واستبداد، وقد نهانا الله تعالى في القرآن الكريم عن التسبب في إذاية شخص محتاج أسدينا له معروفا ولو بالكلام، وجعل ذلك مُحبطا لثواب العمل، قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى» (البقرة: 264).
ولا شك في أن العدل بمفهومه العام هو الأساس الذي يجب أن يقوم عليه التعاون بين الشعوب، فالعدل يولد الأمن والاستقرار، وقد أمرنا الله تعالى بالعدل حتى مع أعدائنا فقال سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون» (المائدة: 8).