يونس جنوحي
ملايين المسلمين حول العالم يعيشون أجواء رمضان استثنائي هذا العام. أول رمضان بعد رفع إجراءات الاحترازات الصحية التي كان معمولا بها منذ مارس 2020 بخصوص الولوج إلى المساجد.
لكن مع انقشاع سحابة وباء «كورونا»، ظهرت سحابة الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أثرت بشكل كبير على أسعار المواد الأساسية عبر العالم.
هناك مسلمون روس، ومسلمون أوكرانيون يصومون رمضان هذه الأيام على إيقاع الترقب. الروس متخوفون من العقوبات التي تلوح في الأفق بسبب الحرب، والأوكرانيون متخوفون من المستقبل الغامض الذي ينتظرهم خصوصا وأن أعداد اللاجئين الأوكرانيين في الدول الأوربية مرشحة للارتفاع، بالإضافة إلى وجود رجال أعمال أوكرانيين مسلمين توقفت مشاريعهم وأصبح مستقبلهم على كف عفريت.
مسلمو أفغانستان بدورهم يعيشون على إيقاع التحول الكبير في الأحداث، ويقضون أول رمضان لهم بعد قرار واشنطن القاضي بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، حيث بقيت الساحة أمام طالبان لحُكم البلاد، رغم كل ما يروج عن تشدد التنظيم ومستقبل الحريات في البلاد.
أول رمضان إذن في أفغانستان الجديدة، يعيشه الأهالي على إيقاع القلق من نقص المواد الأساسية. وفي الوقت الذي تخلى فيه أبرز حلفاء أفغانستان عنها، قامت الحكومة الهندية بتقديم ألفي طن ونصف من القمح، مساعدات إنسانية للأفغان.
المثير أن هذه العملية عرفت تنسيقا بين السلطات الهندية والباكستانية لتسهيل مرور شحنات الإمدادات برّا، حملتها أزيد من 20 شاحنة هندية. وحسب الوكالات التي تناقلت الخبر، فإن آلاف القرى الأفغانية سيتوفر لها احتياطي من القمح، المادة الغذائية الأساسية الأولى عند الأفغان، بفضل هذه الإمدادات التي وفرتها الحكومة الهندية، والتي جاءت في وقت عصيب على السلطات الأفغانية، حيث كان التحدي الأول توفير الأمن الغذائي مع اقتراب شهر رمضان.
المثير في هذا الموضوع أن الهند من بين الدول التي لم تعترف بعدُ بحكومة طالبان، لكن اتصالا بين الحكومة الهندية والحكومة الأفغانية سهل توصيل إمدادات الحبوب. وقبل وصول طالبان إلى الحكم عقب مغادرة القوات الأمريكية للبلاد في غشت 2021، كانت الحكومة الهندية قد وفرت تدريبا عسكريا للأمن الأفغاني.
سبق للمنظمات الإنسانية الدولية خلال الأسابيع الماضية أن حذرت من مجاعة كبيرة في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، إذ أن أزيد من نصف سكان البلاد لم يكونوا يتوفرون على أي مخزون نهائيا من الطعام. وهناك تقارير تحدثت عن وجود عشرين مليون مواطن أفغاني تحت خط الفقر. وهي الأرقام التي كانت قد أعلنت عنها الحكومة الأفغانية قبل انسحاب القوات الأمريكية، أي أن الرقم مرشح الآن للارتفاع بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية منذ نهاية صيف السنة الماضية.
رغم الخلافات الدبلوماسية والسياسية بين الهند وباكستان، إلا أن الحكومتين تفاهمتا على تسهيل مرور الشاحنات الهندية إلى أفغانستان لتقديم المساعدات الإنسانية للأهالي.
رمضان هذا العام، يعيشه ملايين المسلمين على الحدود وفي مناطق النزاع والملاجئ ترقبا لانجلاء الحروب. وفي الوقت الذي تشهد فيه السوق الدولية ارتفاعا كبيرا في الأسعار وتوقعات بشأن تأثر العرض والطلب بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، لا يزال البسطاء في كل مكان يحاولون الإبقاء على الطقوس الرمضانية، خصوصا في المناطق النائية من العالم.
في الصين توجد أقليات مسلمة متمسكة بطقوس محلية ترافق فريضة الصيام، وفي فنلندا يصوم المسلمون أزيد من 23 ساعة يوميا، ورغم بعض الاقتراحات التي أفتى بها العلماء، إلا أن أغلب المسلمين هناك يصرون على قضاء يوم الصيام كاملا رغم إكراهات ساعات العمل وتوقيت الإدارات الرسمية.
رمضان يبقى دائما أكبر من مجرد شهر في السنة. ورغم كل المآسي التي يعرفها العالم، إلا أن ضوءا دائما يظهر في آخر النفق. ألم نكن طيلة عامين متتاليين محرومين من طقوس التراويح؟ رمضان مبارك لكم جميعا.