خوك فالحرفة
لم يكن مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، يتصور أن منصب مدير المركز السينمائي سيصبح شاغرا ذات يوم. لذلك عندما جمع الأسبوع الماضي موظفيه المقربين لكي يخبرهم بشغور المنصب كان يغالب ابتسامة شامتة وهو «يزف» إليهم النبأ السعيد.
فمنذ ما يقرب من سنتين ونصف ووزير الاتصال يخوض حربا سرية ضد مدير المركز السينمائي المغربي، بدأت بحرمانه من منحته السنوية التي تصل إلى خمسة عشر مليون سنتيم، وانتهاء بمقاطعة الوزير لحضور مهرجانات الصايل السينمائية، وآخرها مهرجان طنجة للفيلم الوطني، الذي كان بالنسبة إلى مسار الصايل بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. إذ لم تخرج الأفلام المعروضة خلاله، والتي يدعمها الصايل من أموال دافعي الضرائب، عن مواضيع الشذوذ الجنسي والدعارة والخيانة الزوجية، وكأن هذه المواضيع هي كل ما يشغل بال المغاربة اليوم.
وهكذا فهم الجميع، أخيرا، أن السياسة السينمائية التي نهجها الصايل طيلة إحدى عشرة سنة من وجوده على رأس المركز السينمائي لم تنتج سوى الرداءة، شكلا ومضمونا. ولذلك فقد آن أوان التغيير داخل هذه المؤسسة المهمة المكلفة بدعم الصناعة السينمائية الوطنية، وهو قرار ليس لوزير الاتصال يد فيه، وهذا طبعا لا يمنعه من التعبير عن ابتهاجه به بتقليع مسمار «ديال العشرة» من مائدة وزارة الاتصال.
وبما إن نور الدين الصايل ألف طيلة إحدى عشرة سنة من وجوده على رأس المركز السينمائي أن يعيش كمدير عام، رغم أن ظهير تعيينه ينص على أنه مجرد مدير، فإنه وفر لنفسه جميع أسباب الراحة «الإدارية» لكي يستمر في منصبه إلى آخر رمق.
وبمجرد ما تم تعيين الصايل في منصب مدير المركز السينمائي سارع إلى تشغيل شبكة علاقاته من أجل أن يمنح رتبة كاتب عام ومعها 18 ألف درهم إضافية، لأن رتبة مدير لم يكن راتبها الشهري يتجاوز 32 ألف درهم، فيما رتبة كاتب عام أوصلته إلى 50 ألف درهم في الشهر.
وهكذا ظل الصايل يوقع تراخيص التصوير والوثائق الإدارية العادية بصفته مديرا عاما، فيما كان يوقع الوثائق الرسمية المرفوعة إلى الجهات العليا بصفته مجرد مدير.
وتبدو كل هذه الامتيازات والتعويضات التي يحصل عليها الصايل مقابل مسؤوليته على رأس المركز السينمائي المغربي بسيطة بالمقارنة مع الراتب والامتيازات التي كان يحصل عليها عندما كان مديرا عاما للقناة الثانية. فقد كان راتبه يصل إلى 17 مليونا في الشهر، إضافة إلى بطاقة بنكية دولية يمكنه استعمالها عند الحاجة، فضلا عن تحويل جزء من مرتبه إلى حسابه بفرنسا بالعملة الصعبة، بحكم أنه يحمل الجنسية الفرنسية.
مشكلة الوزير الخلفي الوحيدة ليست هي الصايل، وإنما الدخول في «الشبوقات». فهو مصاب بآفة «التدخلات»، ويريد أن يستعمل سلطته كوزير للتدخل في كل شيء، سواء كان الأمر متعلقا بتدبر وظيفة لابن الحمداوي في البنك، أو بمجرد رخصة «كروصة» في جامع الفنا كما صنع عندما وعد «بوعصيدة» بها وعندما ذهب الأخير عند العمدة المنصوري قالت له «سير عند الخلفي يعطيها ليك هو نيت»، أو بملفات كبرى يدعي امتلاك مفاتيحها في واشنطن، والحال أنه لو كان يملك هذه المفاتيح فعلا لفتح بها أبواب أمريكا المغلقة في وجه زوجته التي سافر مؤخرا أغلب أطر وزارة التضامن والمرأة والأسرة التي تشتغل فيها إلى أمريكا بدونها، وحصلوا بالمناسبة من ميزانية الوزارة الأولى على أظرفة مالية. وهي «المكافأة» السخية التي لا يحصل عليها أعضاء الوفود الذين يسافرون إلى الخارج باسم الوزارات الأخرى التي لا يحمل حقائبها إخوان بنكيران.
فرئيس الحكومة سخي فقط مع وزراء حزبه في ما يخص استعمال ميزانية الوزارة الأولى التي تدخل في عداد الصناديق السوداء، ومنها دفع ميزانية «حوار الشوباني الوطني»، ومنها كان يدفع تعويضات أعضاء دواوين وزرائه الذين رفض الخازن العام للمملكة التوقيع على اعتماداتهم المالية، قبل أن يعين إحداهم، سمية بنخلدون التي كانت عضوة ديوان الشوباني، وزيرة منتدبة لدى وزير التعليم العالي، ويجبر بنكيران الخازن العام على أن يصرف لها راتب وزير، هي التي سبق لها أن استفادت من تعويض المغادرة الطوعية من التعليم العالي. وليست سمية وحدها من تقاضى تعويضات المغادرة الطوعية من التعليم العالي، بل «هيا والوزير الداودي اللي خدامة عندو».
وهذه المرة لسنا نحن من سبق إلى القول بأن شروط الحصول على منصب مدير المركز السينمائي مفصلة بالضبط على مقاس أحد مرشحي الوزير الخلفي، بل قالت ذلك جرائد أخرى غيرنا.
وعندما قلنا قبل أشهر إن الخلفي يريد أن يضع سعد لوديي، رجل تنظيم حركة التوحيد والإصلاح، في منصب الكاتب العام لوزارة الاتصال، قال الوزير إنه لم يسبق له أن حاول ذلك وإن الصحافة التي اخترعت هذا الأمر.
واليوم نرى كيف مدد الخلفي تاريخ وضع طلبات الترشيح لمنصب مدير المركز السينمائي المغربي، فقط لأن المخرج حكيم بلعباس لم يستطع الحضور إلى المغرب يوم الخميس الماضي الذي كان آخر أجل لوضع الترشيحات.
فمدد الوزير الأجل لأسبوع إضافي لكي يمكن مرشحه المفضل من الوقت الكافي لوضع ترشيحه داخل الآجال القانونية، وكأن 23 ملفا التي وضعت لدى وزارته لا يستحق أحد مرشحيها أن ينال المنصب، وبينهم أسماء معروفة كالمخرج فوزي بنسعيدي وبنطالب مستشار الخلفي في السينما ومخرجون مغاربة آخرون أغراهم المنصب وقرروا التضحية بكرسيهم خلف الكاميرا من أجل كرسي ثابت في بناية مقر المركز السينمائي.
وقد كان مقررا أن يدخل المخرج حكيم بلعباس إلى المغرب قبل الخميس الماضي لكي يضع ملف ترشيحه، غير أن مؤسسة «قطر فوندايشن» لصاحبتها الشيخة موزة اتصلت به لكي يحضر إلى الدوحة على وجه الاستعجال لتوقيع عقد شراكة بينه وبين المؤسسة لرعاية مهرجان سينمائي والتكوين السينمائي. فسمح المخرج المغربي في رحلة عودته إلى المغرب وسافر من أمريكا حيث يعيش إلى الدوحة عوض الدار البيضاء.
وهكذا وجد الخلفي نفسه في حرج، فما كان منه سوى أن مدد أجل وضع الترشيحات لبضعة أيام أخرى بما يسمح للمخرج المغربي بالمشاركة في «الفرز» الذي يبدو أقرب إلى «الفرزيات».
والواقع أن مصطفى الخلفي هو أحق المرشحين بمنصب المدير العام للمركز السينمائي، فقد أبدى الرجل مواهب خارقة في الإخراج السينمائي، وحول بضربة معلم كل المرشحين الذين يتنافسون على المنصب بجانب المخرج المحظوظ إلى «كومبارس» في مشهد سينمائي.
والرجل معه حق في الذهاب نحو الدوحة، لأن العقد الذي تقترحه عليه مؤسسة الشيخة موزة يسيل اللعاب حقا. والشيخة موزة تريد أن تكثف من حضورها في المغرب، سواء عبر إدخال شركات قطرية في رأسمال مؤسسات إعلامية كما حدث عندما دخلت شركة قطرية مسجلة في الإمارات في رأسمال قناة «ميدي 1 سات»، أو باقتناء الأراضي والرياضات في المدن الفلاحية والتاريخية. ويبدو أن بركة خميس سيدي محمد برحال بالرحامنة أصابت الشيخة وجعلتها تشتري أراضي فسيحة في تلك المنطقة المعروفة بالماء.
كما أن بركة «رجال البلاد» في شفشاون أصابت الشيخة أيضا، وجعلتها تشتري رياضا تخصصه لإقامتها، لكن إعجابها بالمكان لم يمنعها من السقوط في ساحة «وطا حمام» بسبب الأمطار التي تهاطلت مؤخرا والتي جعلت طالونها يخونها، رغم فرش السلطات للطريق من الساحة إلى مقر إقامتها بالزرابي المغربية.
والواقع أن لا أحد يفهم لماذا يتهافت مخرجون سينمائيون مغاربة للفوز بمنصب مدير المركز السينمائي المغربي. فالمخرج السينمائي شغله الأساسي هو إخراج الأفلام وليس تسيير المؤسسات. فهذا العمل يستطيع أن يقوم به أي موظف تتوفر فيه شروط المسير.
والمخرجون السينمائيون يمكن أن يكونوا جيدين في صناعة الأفلام، على قلتهم، لكنهم ليسوا بالضرورة جيدين في تسيير مؤسسة عمومية، حتى ولو كانت تعنى بالسينما.
والمخرج السينمائي إذا وصل إلى منصب مدير المركز السينمائي قد يميل نحو مخرج دون آخر، خصوصا أولئك الذين سيشعر بأنه مدين لهم بالدفع به نحو المنصب الذي حصل عليه.
أليس المغاربة هم الذين اخترعوا مقولة «خوك فالحرفة عدوك»؟