خطابات التجديد في الإسلام خلال قرن
رضوان السيد
تعودنا منذ عقود، عندما يكون الموضوع قضايا التفكير في النهوض ومشروعاته في القرنين التاسع عشر والعشرين، أن نرجع إلى كتاب لوثروب ستودارد «حاضر العالم الإسلامي» (1910)! فالكتاب يتميز بالشمول والدقة وليس في الاستعراض فقط، بل وفي الاستشراف والتقدير المستقبلي. ويرجع ذلك إلى أن الأمير شكيب أرسلان (توفي 1946) كان قد كلف مساعده عجاج نويهض بترجمة الكتاب، ثم أقبل على التعليق عليه، بحيث صار الكتاب مع الحواشي والتعليقات خمسة أضعاف حجمه الأصلي. وعندما صدر بالعربية عام 1929 قرئ بكثافة، لغزارة المعلومات والانطباعات التي تضمنها. وقد تتبع ستودارد وأرسلان حركات الفكر والواقع، منذ منتصف القرن التاسع عشر، مركزَين على خمس مناطق: الهند، وآسيا الوسطى والقوقاز، وجاوة وسومطرة ومحيطهما (إندونيسيا الحالية)، ومصر، وبلاد الشام والعراق. في هذه المناطق الخمس جرى تتبع الأفكار المتعلقة بالتقدم، والأخرى المتعلقة بصدمة الغرب والاستعمار، وأخيرا مسألة الجامعة الإسلامية.
وبالطبع ما انتهى الأمر عند هذا الحد، فقد ظهرت منذ ثلاثينيات القرن الماضي مئات العروض النظرية والعملية، وكانت تعود دائما إلى نقطة البداية أو ما تعتبره كذلك: الطهطاوي وخير الدين التونسي والأفغاني ومحمد عبده. وأود بهذه المناسبة أن أنوه بكتاب فهمي جدعان «أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العصر الحديث» (1979).
ما أردت الحديث عنه في هذه العجالة مسح آخر وشامل وبمنهج مختلف، وهو موسوعة ضخمة حررها تشارلز كورزمان عنوانها بسيط هو «الإسلام الحديث». بيد أن مترجميها أعطوها عنوانا جذابا هو «رواد التجديد في الإسلام». وأقصد بالمنهج المختلف أنه باستثناء التمهيد الموجز الذي كتبه كورزمان (وهو أحد أساتذة الدراسات الإسلامية بالولايات المتحدة)، فإن هذا الكتاب الضخم يعرض خارطة شاملة للفكر الإسلامي التجديدي أو النهوضي خلال أكثر من مائة عام، وكيف؟ من خلال تقسيم العالم الإسلامي إلى خمس عشرة منطقة أو مجالا، واختيار شخصيات نهضوية بارزة من كل منطقة، يقتبس من كل شخصية مقالة أو مقالتين من أبرز ما كتبت. ولأن الخريطة بحثية بالفعل، فإن ثلث الشخصيات التي تعرض أفكارها بأقلامها وليس بحديث آخرين، تكاد تكون غير معروفة لغير مثقفي تلك المنطقة التي ظهرت فيها تلك الشخصية. لكن هل يقاس التأثير بالشهرة؟ لا يبدو أن ذلك صحيح دائما. فالشهرة تعين بالفعل على الانتشار، لكن التأثير يأتي من أصالة الأفكار ولو تأخر إلى حين.
من خلال قراءة المجموعة كلها، ولو على مراحل، يتبين أن الأولويات كانت حتى منتصف القرن العشرين تتمثل في السؤال: كيف يمكن تحقيق التقدم؟ لكن التقدم ليس له معنى واحد أو محدد. لذا يفضل سيد أحمد خان مصطلح «النجاح». فالعالم عالم صراع بعدة أشكال ومستويات، والمطلوب النجاح باعتبار أن التقدم النوعي، الفكري والعملي، يحتاج إلى زمن طويل. ونحن المسلمين لا نملك الصبر ولا رفاهية الانتظار. علينا أن نتعلم بسرعة وأن نحقق النجاح ولو بالتقليد على عجل. أما الإبداع فيأتي بعد ذلك!
لكن ما هو ثمن حرق المراحل هذا؟ كل المفكرين المسلمين يرون ضرورة التغيير، والاجتهاد في فهم الجديد وتقبله ونشره. لكن الراديكاليين، وهم قليلون، يهدفون إلى تغيير رؤية العالم في ذهنيات وأوساط المسلمين، ولا يرون تقدما حقيقيا من دون حصول ذلك. بينما يعتقد العمليون والبراغماتيون، ومعظمهم في شرق وجنوب شرق آسيا، أن النموذج الياباني للتقدم هو الأكثر ملاءمة للمسلمين، إذ به يتحقق التقدم دونما قطيعة مع الموروث الديني والاجتماعي والأخلاقي.
كل المفكرين المسلمين يرون ضرورة التغيير، والاجتهاد في فهم الجديد وتقبله ونشره. لكن الراديكاليين، وهم قليلون، يهدفون إلى تغيير رؤية العالم في ذهنيات وأوساط المسلمين، ولا يرون تقدما حقيقيا من دون حصول ذلك