حتى لا ننسى
تحل اليوم الذكرى 16 من الأحداث الدامية لتفجيرات 16 ماي 2003 التي ما زالت خلال كل سنة تعيد إلى الأذهان ذكريات أليمة لضحايا غدر الإرهاب. ومنذ تلك الأحداث الرهيبة يقود المغرب حربا بلا هوادة ضد الإرهاب وتمويله وأساليب تجنيده ومصادره الدينية والإيديولوجية. ومما لا ريب فيه أن أجهزتنا الأمنية أظهرت علو كعبها داخليا وخارجيا من خلال استباق معظم العمليات الإرهابية والقبض على المنتسبين للتنظيمات الإرهابية قبل الشروع في تنفيذ مخططاتهم التخريبية.
وما بين فاجعة البيضاء واليوم تطور الإرهاب وتضاعفت مخاطره، حتى وصل اليوم ذروته على المسرح العالمي بأساليبه الخبيثة وضرباته القاسية، فهو لم يعد يكتفي بالقيام بعمليات إجرامية داخل العالم الإسلامي، بل امتد إلى كل رقعة في العالم وأصبح «غولا» عابرا للقارات، بل ذهب به الطموح إلى احتلال دول عريقة ما زالت ترقد تحت بشاعته إلى اليوم.
ﻟﻘﺪ ﺻﺎر ﺟﻠﻴﺎ اﻟﻴﻮم أن ﻫﻨﺎك ﺗﻄﻮرا ﻣﻠﺤﻮﻇﺎ وﺗﺼﺎﻋﺪﻳﺎ ﻟﻠﻈﺎﻫﺮة اﻹرﻫﺎﺑﻴﺔ ﻛﻤّﺎ وﻧﻮﻋﺎ، ما يستوجب استنفار كل إمكانيات الدولة الردعية والاجتماعية لمواجهة اتساع رقعة التطرف العنيف، فلا يمكن الاكتفاء فقط بالمقاربة الأمنية والقضائية من أجل تجفيف منابع الإرهاب. صحيح أن تلك المقاربة قلصت إلى حد كبير من خطر تلك التنظيمات، لكنها لم تقض عليها وتحولت إلى خلايا نائمة تنتظر الوقت المناسب للاستيقاظ والانقضاض على فريستها بدون رحمة.
لذلك فالسلطات المغربية مطالبة بصفة عاجلة بالبحث عن الأسباب والبيئة المؤدية لتغذية الإرهاب بوقود من الشباب المغربي، وأن تبحث في الوقت ذاته عن الحاضنة الاجتماعية المغذية للإرهاب. وهذا الأمر يحتاج إلى سياسة شاملة ورؤية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار مختلف الجوانب الأمنية والسياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تشكل مصدرا يمد الإرهابيين بمبررات البقاء.
ولا ينبغي أن تغيب عن الأذهان الأبعاد الإقليمية والقارية والدولية لهذا الخطر المحذق، فليس مصدر خطورة الإرهاب داخليا فحسب وإنّما هو خارجي أيضا، فالجوار الإقليمي الصعب الذي يحيط ببلدنا، وبالذّات الفوضى العارمة في ليبيا والتوتر السياسي في الجزائر والهشاشة الأمنية في تونس والتهديدات الواردة من منطقة الساحل والصحراء، تجعل خطر الإرهاب مضاعفا، خصوصا مع تمكن بعض الجماعات الإرهابية من اجتياح بعض البلدان، ومن التحكم في سكّانها ومواردها الطبيعية، والحصول على مزيد من الأسلحة وإقامة زواج مع مافيات الجريمة المنظّمة ومافيات الاتجار بالبشر العابرة للحدود الوطنية.
ليس أمام المغرب اليوم من خيار سوى الاستنفار الجماعي، للوقوف في وجه الإرهاب والتصدي لتهديداته المختلفة والمتتالية على أمن واستقرار الوطن، ولن يتحقق ذلك سوى بتقديم الدعم الكامل للمؤسسة الأمنية، ووضع سياسات عمومية تسحب البساط من تحت المنافذ التي يتغذى منها التطرف والإرهاب الأعمى.