جنسيات حارقة
الجنسية هي المتاع الوحيد الذي يصطحبه المسافر معه خلال تنقلاته، يسعد كثيرا بإشهارها ويفتخر كثيرا حين تقابله ردود فعل جيدة حول بلده وأصله. لذلك تعلمت أن أحاول قدر الإمكان أن أقدم صورة محترمة عن بلدي حيثما وجدت. غير أنني في آخر سفر تولد لدي إحساس غريب بالانزعاج من إشهار مغربيتي، دفعني في أحيان كثيرة إلى تجنب الرد عن السؤال وادعاء عدم فهم اللغة حتى لا اضطر لانتحال جنسية أخرى.
حين تسافر امرأة بمفردها في بلد شرقي مسلم سواء في مهمة رسمية أو في عطلة، فإن متاعبها مع الجواز الأخضر تبدأ من المطار، حيث تتفحصها أعين المسؤولين بشره حيواني رهيب. شخصيا تعرضت لموقف مماثل منذ سنوات بأحد أكبر المطارات العربية، حيث وجه لي مسؤول أسئلة شخصية جدا تتعلق بالسن وبحالتي الاجتماعية، وتخللت هذه الأسئلة الكثير من الإيماءات التحرشية الضمنية. رفضت الرد عن الأسئلة وادعيت عدم فهم اللهجة ورفضت استعمال الإنجليزية مستمرة في التعامل باللغة الفرنسية لمعرفتي ضعفَ تداولها في بلدان المشرق، فما كان من المسؤول إلى أن صعب علي عملية المرور وعرضني لتفتيش كامل بما فيه نزع الحذاء إمعانا في تصعيب الأمر علي، وهكذا كان الأمر مع زميلة أخرى لرفضها التجاوب مع أسئلته.
خلال سفر قريب، فوجئت بأنني، لمجرد إشهار مغربيتي، أتلقى معاملة خاصة بترحيب مبالغ فيه وفي أغلب الأحيان تتخللها دعوات غير لائقة فور أن يُفْهَم أنني بمفردي دون «مرافق» رجل. فهمت بعد مناقشات متعددة أن سمعتنا كنساء مغربيات لصيقة بمؤهلاتنا «الأنثوية» وبأهليتنا الجنسية المضمونة. وأننا للأسف نوضع بكفة واحدة مع ممتهنات الجنس العابر للقارات.
مؤسف جدا أن أضطر لجلد النفس والاعتراف بهذا الواقع، رغبة مني في وضع اليد على كون هذه الآفة مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الداخلية السيئة التي تدفع الشباب إلى كل أنواع العمالة خارج الوطن، بما فيها العمالة الجنسية. فإذا كنا إلى الآن، لم نُمَكِّن أبناءنا وبناتنا من أي نوع من المهارات العلمية والمهنية التي تؤهلهم للعيش بكرامة، وأننا لا نزال نحوجهم إلى رأسمالهم الطبيعي من أجل لقمة العيش، فإنه يتعين علينا إشهار إفلاسنا الوطني العام.
الغبن أن تجدي نفسك مضطرة إلى حمل هويتك بين يديك كطبق ساخن يحرقك حيثما نقلت أصابعك. خصوصا إذا كنت امرأة مستقلة ترفض إنكار حالتها الاجتماعية الحرة، حتى تزعزع الفكر الشرقي الذكوري وتجبر الآخر على أن يحترمها لذاتها لا أن يوقِعَ عليها فيء احترام موجه لرجل أيا كان موقعه في حياتها.
الغبن أيضا أن نعي أننا بحاجة إلى مجهودات مضاعفة حتى يصبح الوجه الآخر للمغربيات اللائي يتفوقن في مختلف المجالات بناء على كفاءاتهن، هو الوجه السائد. آنذاك، فقط، سيمكن للمغربية أن تسافر وهي متيقنة أنها سفيرة تحمل معها صورة إيجابية للمرأة وللبلد معا.