يشهد التاريخ المعاصر على عمق العلاقات المغربية التونسية، بالرغم من المطبات التي مرت منها، ولعل تكوين مكتب المغرب العربي في القاهرة، في الأربعينات، والعلاقة الكبيرة بين الزعيم الحبيب بورقيبة وعلال الفاسي ومحمد الفاسي ومحمد عبدالكريم الخطابي ولاحقا الملك محمد الخامس، سيساهم في تعزيز أواصر الصداقة بين البلدين، وسيؤسس لجسر تعاون بين دولتين بينهما عدة قواسم مشتركة، أبرزها التصدي للاستعمار الفرنسي وروح التضامن، كما حصل بعد اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد حين اندلعت مظاهرات حاشدة في البلدين كرست عمق الترابط بين الشعبين.
خلد الشعبان المغربي والتونسي أسماء قادة البلدين، وحملت شوارع وأزقة وساحات المدن المغربية أسماء شخصيات تونسية ساهمت في تمتين عرى التعاون بين البلدين، بالرغم من غيوم القلق التي جثمت على العلاقات بين البلدين، تم توقيع معاهدة الأخوة والتضامن التي كانت بمثابة إطار لتجويد هذه العلاقة.
في ظل هذا التآزر تردد على المملكة المغربية العديد من الوجوه السياسية والفكرية والصوفية والرياضية والفنية، منهم من قدر لهم أن يدفنوا في جوف تربة المغرب، الذي كان وطنهم الثاني.
يصعب حصر أسماء التونسيين الذين اختاروا الاستقرار في المغرب، كما يصعب جرد مغاربة تونس الذين صنعوا مجدها وماتوا في تربتها، لكن التاريخ يسجل باعتزاز كلمة القيادي التونسي الباهي الأدهم في مؤتمر طنجة يوم 25 أبريل 1958، حين قال وددت لو عشت ما تبقى من حياتي في طنجة لأدفن في مقبرتها الجميلة.
في هذا الملف نسلط الضوء على شخصيات استثنائية اختارت المغرب وطنا وفي جوف تربته مدفنا.
والد المرزوقي.. لاجئ بالمغرب ودفين مقبرة بمراكش
قال الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، إن الحكام العرب تعاملوا معه خلال فترة رئاسته للجمهورية التونسية بعد الثورة بكثير من الحذر والتحفظ، خصوصا أنه جاء بطريقة مخالفة لرئاسة دول عربية، أي عبر توافق سياسي بعد ثورة شعبية، وأضاف خلال استضافته عبر قناة «الجزيرة» القطرية، «منهم من تعامل معي بكل احترام وتقدير، كجلالة الملك محمد السادس».
في أكثر من حديث صحفي يصر محمد المرزوقي على ذكر المغرب كبلد لجوء لوالده محمد المنصف المرزوقي، ويشيد بموقف ملوكه الثلاث في مساعدة والده حين كان مطلوبا من النظام التونسي باعتباره معارضا، «هناك حالات مشهورة في طلبات التسليم التي تخص تونس نذكر منها رفض الجزائر تسليم تونس الوزير الأول الأسبق محمد المزالي ورفض بورقيبة تسليم الرائد الليبي عمر المحيشي للقذافي، ورفض الحسن الثاني تسليم محمد البدوي المرزوقي لبورقيبة بالرغم من غضب هذا الأخير»
في كثير من الصور ظهر والد الرئيس التونسي السابق إلى جانب محمد الخامس وبعده الحسن الثاني، قبل أن يدفن جثمانه في مدينة مراكش، في نفس المقبرة التي دفنت فيها شقيقته والتي يحرص على زيارتها كلما حل بالمغرب.
لم تنقطع صلة المنصف بالمغرب الذي يعتبره بلده الثاني، ففي آخر زيارته حرص على الوقوف بإجلال وخشوع أمام قبر المغفور لهما الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني، كما فعل حين كان رئيسا للجمهورية التونسية، إذ لا تكتمل زيارته إلى المغرب إلا بقراءة الفاتحة مع الوفد المرافق له على روحي الملكين الراحلين قبل أن يدون كلمة بالدفتر الذهبي للضريحين.
كشف الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، في حوار مع محطة «سي إن إن»، عن جزء من أسرته ينتمي إلى المغرب، وذلك بعد لقاء مع شقيقين له يحملان الجنسية المغربية، في منطقة أوريكا القريبة من مدينة مراكش السياحية، مشيرا إلى أن والده محمد البدوي المرزوقي، لجأ إلى المغرب عام 1956، وتزوج هناك وأنجب ثلاثة إخوة لمنصف.
وقال المرزوقي في منشور على صفحته بـ «فايسبوك»، أرفقه بصورة لأفراد من أسرته بالمغرب، إن والده كان مناضلا بالقلم والسلاح، واضطر إلى اللجوء إلى المغرب، وهناك تزوج وأنجب إحسان ومحسن ونادية، وبقي في المغرب إلى أن توفي عام 1988، حيث يوجد قبره في مدينة مراكش.
والد المدرب «الأب جيكو».. رحلة من تونس إلى تارودانت
حين حل بلحسن العفاني بالمغرب قادما من تونس، اختار الاستقرار في منطقة إيسافن ضواحي تارودانت، كان واحدا من أوائل رجال الأعمال الذين فضلوا الاستثمار في سوس وتحديدا في تارودانت، حيث بنى سينما «التونسي» وفندقا واشترى ضيعات زيتون.
انتقل الوالد إلى الدار البيضاء واستقر في المدينة القديمة وتحديدا في درب الدالية، بينما اختزل ابنه محمد بلحسن اهتماماته في الكرة والدراسة، فظهرت مواهبه في الملعب وعلى طاولة الدرس، فيما كان والده يحاول توريثه التجارة وإدارة الأعمال، سيما بعد أن أصيب بمرض رئوي حتم عليه مغادرة الدار البيضاء والابتعاد عن المحيط الرطب، فاختار العودة إلى قرية إيسافن في ضاحية تارودانت بتوصية من طبيب فرنسي، بينما ظل الابن في درب الدالية يواصل تعليمه وركضه خلف الكرة ويقدم دروسا في محو الأمية تطوعا بمدرسة الضرباني بالمدينة العتيقة.
جمع الفتى محمد بلحسن بين الكرة والدراسة، وأصبح نجما في الملاعب وفي المدرسة، أعجب بنجم اليوسا «جيكو» فحمل لقبه، لكنه أصر على أن يصبح مدربا، تحقق الحلم مع الوداد البيضاوي فرافقه في نجاحاته قبل أن تنتابه نوبة غضب غيرت وجهته نحو الغريم الرجاء.
أما والده فقام بآخر رحلة إلى تونس لتصفية بعض ممتلكاته من أجل العودة النهائية للمغرب، وفي قرية إيسافن توفي الوالد وتقرر دفنه في بلده الثاني، بينما استكمل الابن مساره الرياضي ليصبح من نجوم الكرة المغربية ويحمل اسمه أكثر من مرفق رياضي.
حين ارتفع مؤشر القلق قرر «الأب جيكو» الرحيل بعيدا عن لغط الكرة، والاستقرار في منفاه الاختياري بتارودانت، حيث كان والده، من بين جبال إيسافن اختار لنفسه إجازة لقراءة موقف الاستقالة قبل أن يتخذ القرار الحاسم ويصبح مدربا للرجاء.
في لحظة غضب توعد الأب جيكو خصومه، وقال: سأدرب فريقا يقتسم مع الوداديين هواء الدار البيضاء. وحين هدأت الخواطر قال عبارته الشهيرة: «الوداد بنت القلب والرجاء بنت العقل».
رفض «ولد التونسي» منصب وزير للرياضة، لكن وعلى الرغم من القلق السلطاني، على «الأب جيكو» الرافض لمنصب حكومي، فإن الملك محمد الخامس، لم يعارض على توشيحه بوسام شرفي سنة 1957.
اعتزل الأب جيكو الكرة وساءت أوضاعه المادية، وفي سنة 1970 انتابت الرجل نوبة مرض، فانقطع عن الناس وعاش عزلة قاسية، لاحظت زوجته زهرة أن عينيه تدمعان وهو يتابع مباريات كأس العالم بالمكسيك بمشاركة المنتخب المغربي، فقال لها «الآن حققت أمنيتي أن أرى لاعبي الوداد والرجاء في كأس العالم، مرحبا بالموت الآن». ودفن في مقبرة الشهداء.
طبيب حاكم تونس في حماية الحسن الثاني
في سنة 1957 أعلن الحبيب بورقيبة سقوط نظام محمد الأمين باي، ونصب نفسه رئيسا لتونس مع استبدال نظام الباي الحسيني بالنظام الجمهوري. كان أول قرار اتخذه الحبيب هو مصادرة أملاك محمد الأمين الذي كان حاكما لتونس، وطرد أبناءه من القصر، وإسقاط اسمه من المنشآت العامة، رغم أن بورقيبة كان مقربا من عائلة محمد الأمين باي.
عاش أبناء وحفدة آخر ملوك تونس محنة حقيقية، بعد أن لفظهم بورقيبة مباشرة بعد حصول تونس على استقلالها، في اعترافات صادمة، يتحدث الطبيب شفيق الشلي عن رحلة بعض أفراد أسرة الملك المخلوع إلى المغرب، حيث حزمت العائلة حقائبها لتهاجر إلى شمال المغرب هروبا من معاناة رهيبة دامت خمس سنوات، بدأت باعتقال الباي ومصادرة ممتلكاته، ثم الحجز على مصحة والده الدكتور محمد الشلي، وكان أشهر الأطباء الجراحين بتونس.
قال حفيد ملك تونس، الدكتور شفيق الشلي، في تصريح صحفي: «هربنا إلى المغرب بعد أن عاشت العائلة خمس سنوات كانت الأسوأ في تاريخها، وأعطانا الحسن الثاني الجنسية المغربية. كانت والدتي ليليا ترغب في الهجرة إلى بلد نظامه السياسي شبيه بتونس الملكية، فقررنا الهجرة إلى المملكة المغربية». عاشت الأسرة في مسكن تابع لمستشفى سانية الرمل بتطوان، حيث كان الطبيب يشتغل في قسم الولادة، بعد أن قررت الأسرة طي صفحة الماضي، والعمل من أجل تدبير عيش كريم بعيدا عن نظام بورقيبة.
في كتابها «نساء وذاكرة» تتحدث زكية باي ابنة محمد الأمين باي، عن الظروف التي عاشها والدها آخر سنوات حياته، وكيف كان يرغب في مغادرة تونس نحو المغرب أو ليبيا أو تركيا، وعن اعتقاله وجنازته البئيسة، وكيف كان موقف الملك الحسن الثاني واضحا، حين رحب بأفراد الأسرة ومنح بعضهم الجنسية المغربية، متصديا لغضبة بورقيبة الذي أرسل موفدا عنه إلى الرباط لثني الملك عن قرار استضافة حفدة الباي دون جدوى.
رسم نظام بورقيبة صورة سيئة عن الباي المخلوع، عبثا، وحاول في لقاء مع الحسن الثاني دفعه لطرد الطبيب ووالدته من المغرب، كي لا يصبح نقطة جذب لمعارضي نظام الحبيب، لكن ملك المغرب رفض.
صمت أفراد عائلة الحاكم التونسي السابق، قبل أن يتكلم الأحفاد بدءا بسلوى وانتهاء بالشلي مرورا بمحمد علي، حيث أجمعوا على سوء المعاملة التي عوملت بها الأسرة الحاكمة من طرف الحبيب بورقيبة، وكيف انتهى بهم القدر في الهامش.
لكن ما أثر فيهم أكثر هو إسقاط اسم العائلة الملكية من الذاكرة الجماعية لتونس، ومسحها من الفضاءات العمومية، خاصة بيت الحكمة الذي كان منارة للعلوم والآداب والفنون وتحفة معمارية وأثرية بل هو كذلك القصر المهم في خط قرارات مفصلية في تاريخ الدولة التونسية.
عائلة علية التونسية في ضريح سيدي رحال
ولدت الفنانة علية التونسية، سنة 1936 في تونس، لكنها تنحدر من المغرب، وتحديدا من قرية سيدي رحال التابعة لتراب عمالة قلعة السراغنة، وتنحدر الفنانة التونسية من عائلة نزحت نحو الوالي المتصوف سيدي رحال البودالي من الصحراء، بدليل أن اسمها الحقيقي هو بية بنت البشير، وجدها هو الهادي رحال الذي كان من مريدي زاوية سيدي رحال على بعد 50 كلم من مدينة مراكش على الطريق الرابطة بين مراكش ودمنات، والتي أصبحت معروفة لدى العامة بـ «بويا رحال».
رحل والدها البشير إلى تونس، وخلافا للمد الصوفي المتوغل في وجدان عائلتها، فقد عشقت «بية» منذ صغرها فن الموسيقى والغناء وهي طفلة صغيرة، ثم بدأت بعد ذلك تغني في الحفلات المدرسية، ليكتشفها ذات يوم الملحن التونسي رضى القلعي، فقدم لها لحن أول أغنية لها بعنوان «ظلموني حبايبي» بينما يعتبر الفنان صالح المهدي مكتشفها الثاني الذي مهد لها الطريق للدخول إلى عالم الغناء والموسيقى وهو الذي أطلق عليها اسم علية نسبة لأخت الخليفة هارون الرشيد، بعد أن تبين له أن اسمها الحقيقي بية لا يتلاءم والمشهد الفني، لتصبح المطربة علية من أشهر المطربات في تونس خلال فترتي الخمسينات والستينات، ثم تهاجر إلى القاهرة حيث بدأت مشوارها الفني بشكل احترافي.
قامت الفنانة علية بالعديد من الجولات الفنية في العديد من دول العالم العربي، لكن انطلاقتها خارج تونس بدأتها بجولة فنية في أغلب أنحاء المغرب، حيث استضافتها الأسرة الملكية، وخلال زيارتها للمملكة المغربية حظيت بتقدير من شعبها، وتعرفت إلى الموسيقار المغربي أحمد البيضاوي الذي غنت من ألحانه قصيدة ابن زيدون «أضحى التنائي بديلا من تدانينا»، كما غنت من شعر إيليا أبي ماضي قصيدة «أنا من أنا؟» من تلحين الموسيقار المغربي محمد بنعبد السلام، هذا الأخير الذي قدم لها أيضا لحنا آخر لأغنية وطنية مغربية تتغنى بأمجاد المغرب.
أثناء تواجدها في المغرب زارت علية ضريح سيدي رحال البودالي مسقط رأس أجدادها ووقفت في مقبرة الضريح ترحما على أسلافها الذين دفنوا في هذا الربوع الصوفي.
ألبير.. سوسيولوجي المغرب العربي ولد بتونس ومات بالمغرب
رغم أن ألبير ميمي قضى الجزء الأكبر من حياته بين فرنسا وتونس، إلا أن المغرب يظل بلده الثالث والذي كان يتردد عليه بين الفينة والأخرى، فيجد نفسه وقد مدد مقامه لضعف المدة التي كان يعتزم قضاءها في المغرب.
يعتبر من بين المثقفين والمفكرين الذين ناضلوا ضد العنصرية والاستعمار. فعرف بمساندته لحركات التحرر الوطني وخصص كتبا عديدة لهذا الموضوع، أبرزها «بورتريه المستعمرين»، تلاه «بورتريه المتحررين من الاستعمار».
يعرف في الأوساط الأدبية بالتونسي، لأنه ولد في أسرة فقيرة بحي الحارة المهمش بالعاصمة التونسية، وذلك في ربيع عام 1920، كان والده من أصول إيطالية ووالدته من أصول أمازيغية، بينما كانت ديانته اليهودية. وكانت أسرته متعددة الأفراد يصل عددها إلى 12 فردا يجمعهم بيت متواضع.
ولأن أمه كانت أمازيغية فقد عاش طفولته في وسط تجهل فيه والدته التخاطب بغير العامية، بينما كان والده يتحدث بالكاد اللهجة التونسية، أما الفتى فقد تعلم اللغة الفرنسية منذ المرحلة الابتدائية، وحين حصل على الشهادة الثانوية انتقل إلى الجزائر لاستكمال دراسته في الفلسفة منها عبر إلى فرنسا لمواصلة دراسته الجامعية في السوربون، قبل أن يجعل المغرب قبلته.
ناضل ميمي من أجل حركات التحرر وحاول بناء جسور متينة بين الشرق والغرب ولا سيما بين المغرب العربي وأوروبا، تردد على المغرب مع رفيقه غي دوغاس، وهو أستاذ في جامعة مونبليي، وزارا الدار البيضاء سويا كما حضرا مجموعة من المناظرات والأنشطة خاصة مع الجالية اليهودية المغربية، كما شارك ميمي في مجموعة من الزيارات التي تنظم لأضرحة أولياء يهود في المغرب، وسجل حضوره في المتحف العبري بالدار البيضاء.
وسبق لمجلس الجالية المغربية بالخارج ومركز جاك بيرك للدراسات في العلوم الإنسانية بالمغرب، أن استضافه في ندوة دولية حول «الهجرات والهوية والحداثة في البلاد المغاربية»، بالصويرة حيث خصص حيزا كبيرا لعالم الاجتماع الفرنسي التونسي ألبير ميمي الذي اختير رئيسا شرفيا للندوة، وساهم بمداخلاته القيمة في الحديث عن المغرب وعن دور ملوكه في صيانة اليهودية كمكون اجتماعي للهوية المغربية، وأدار ميمي ندوات ونقاشات حول التاريخ المشترك لليهود والمسلمين والهجرات، فضلا عن مسارات هذه الهجرات والقطيعة التي رافقتها.
تردد الرجل على المغرب وظل يقطع المسافة بين الرباط وباريس بشكل مستمر، بعد أن تلقى دعوات من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومجلس الطوائف اليهودية بالمغرب واللجنة الوطنية المغربية لليونيسكو، كما ساهم في تقريب مؤسسات علمية للمحيط الاجتماعي المغربي، من خلال مجموعة من الشراكات لعلمية والجمعوية المغربية والأجنبية مع مؤسسة الصويرة موكادور.
كان صديقا لأندري أزولاي الذي اعتمد عليه كثيرا في تكوين شبكة من المفكرين وحولهم إلى أصدقاء للصويرة، وبفضل قوة هذه الشبكة لم تعد موكادور عاصمة للفن الكناوي والعرعار فقط، بل أصبحت قبلة للفكر والأدب.
لا يقتصر إشعاع الرجل على تونس والمغرب بل امتد إلى الجزائر التي درس فيها.
ونظرا لقيمته العلمية فقد أطلق اسمه على مدرج كبير بجامعة في مسقط رأسه تونس، كما تعاون معه غي دوغاس وألف الكثير من الكتب حول حياة وأعمال هذا الرجل، الذي كرس حياته للدفاع عن الحقوق والحريات ومحاربة الأفكار الاستعمارية والعنصرية.
خلال إقامته في المغرب أقعده المرض، بعد أن بلغ سنه المئة عام، أوصى بدفته في المغرب لكن جثمانه نقل إلى باريس.
شمس الضحى.. زوجة السلطان ودفينة شالة
يقول محمد بركاش في كتابه «نساء بدون حجاب»: «قرر الملك المريني أبو الحسن، أن يوسع اختياراته، ويتزوج ابنة سلطان تونس، أبو يحيى بوبكر سنة 1331 ميلادية. أرفق الملك المريني معه زوجته التونسية في معركة بالأندلس، التي حصلت يوم 28 نونبر 1340، حين هاجمته جيوش الملك الإسباني ألفونسو الحادي عشر، وقد دخلت في أحد القصور على سيدة جميلة تلبس قفطانا من الموسلين، وفي يدها دمليج واسع من الذهب، حين هاجمها جندي كاستياني، وطعنها برمحه، لتموت، وهو يجهل أنها الزوجة التونسية لملك المغرب، لولا أن الملك سارع بعد هذه الخسارة إلى التزوج بامرأة أخرى تسمى شمس الضحى التي يوجد قبرها في مقبرة شالة بالرباط، بجانب قبر الملك المريني، أبو الحسن المريني».
ويذكر التاريخ أن ابنة السلطان التونسي، كما كتب ابن خلدون، جاءت بموكبها إلى تازة، وقد أصبح زوجها المغربي، أبو الحسن، سلطانا على المغرب، سموه السلطان الأسود لأن أمه كانت سودانية، شمس الضحى الزوجة التونسية، مدفونة في مقبرة شالة بالرباط بعد سنوات من الأمجاد.
في سنة 1284م قام السلطان المريني أبو يعقوب يوسف، ببناء مسجد وبعض الأضرحة ليجعل من شالة مقبرة ملكية للأسرة المرينية، إلا أنه في عهد السلطان أبي الحسن المريني ستشيد بها مدرسة الزاوية وستحاط بسور وسيدفن فيها بانيها وزوجاته.
لكن بعض الكتابات ذهبت إلى أن شمس الضحى ليست تونسية الأصل، بل هي جارية رومية من البشكنش، انتقلت من المسيحية إلى الإسلام، تزوج بها السلطان وأنجبت له أبي عنان، ونذكر من فضائلها، أنها حجت مرة واحدة، واسترعت اهتمام المشارقة لدرجة أنهم خصصوا لها استقبالا كبيرا بمصر هي والوفد المرافق لها، وذلك للهيبة والمكانة التي كان يحظى بها السلطان أبي الحسن المريني صاحب المآثر والفتوحات الجليلة خصوصا في الأندلس، توفيت في المغرب وحضر جنازتها أعيان البلاد وشخصيات من المشرق.
لا توجد معلومات كافية حول شمس الضحى، لكن جيء بها زوجة من تونس، وكل ما نجده مكتوبا حولها فقط هو هذه الأسطر التي كانت مدونة في الشاهد الذي على قبرها، وسجله كل من زار موقع شالة الأثري قديما من الرحالة العرب أو الأجانب، وللأسف فقد تعرض قبرها إلى جانب قبر السلطان أبي الحسن المريني للسرقة.
سيدي علال القيرواني.. صوفي القيروان المنتدب في الدار البيضاء
يقع ضريح سيدي علال القيرواني بالسقالة، أمام ميناء الدار البيضاء، قبالة البحر. وإذا كان سيدي عبد الرحمان بن الجيلالي، الذي يوجد ضريحه على صخرة بشاطئ عين الذئاب من أصل عراقي، فسيدي علال القيرواني هو من أصل تونسي ومن مدينة القيروان تحديدا.
تعددت الروايات حول تاريخ قدوم سيدي علال القيرواني إلى مدينة الدار البيضاء، لكن الغالبية ترجح أن تكون الرحلة قد تمت في القرن الرابع عشر الميلادي.
ويقول الباحث الفرنسي «برتيمي» إن الولي علال القيرواني تزوج امرأة تقطن بأنفا تسمى «لالة بيضاء» توفيت قبله وبنى لها ضريحا كان مصبوغا بالأبيض وسميت المدينة بالدار البيضاء. وهناك رواية أخرى تقول إن «لالة بيضاء» هي ابنته. لكن الراجح أن القبر الأبيض في بيت أبيض هو سبب إطلاق اسم «كازا بلانكا» على المدينة.
يوجد ضريح سيدي علال القيرواني أمام طريق درب التناكر بالسقالة أمام ميناء الدار البيضاء. الضريح هو مكان لدفن أول حاكم للمدينة وقبر لالة بيضاء، ويعد من معالم المدينة الكبرى لرمزيته كأول «سيد» بالمدينة مع سيدي بليوط، وهو من كان سببا في تسمية الدار البيضاء باسمها.
وتقول بعض الروايات إن سيدي علال القيرواني قد غادر مدينة القيروان بتونس راكبا البواخر والقوارب للذهاب إلى السنغال، إلا أن الباخرة التي كان يركبها جنحت قبالة سواحل مدينة الدار البيضاء، وتم إنقاذه من طرف بعض الصيادين.
وتضيف ذات الروايات التي تحتاج لسند، إنه بعد وفاة زوجته طلب من ابنته أن تلتحق به إلا أنها غرقت بعد جنوح مركبها. بعد وفاتها شيد سيدي علال ضريحا لها وسماه البيت الأبيض أو الدار البيضاء وذلك ليكرم ابنته المشهورة ببياض بشرتها. كما طلب أن يدفن بجوارها بعد وفاته، وهو ما تأتى له.
في يوم الجمعة 20 دجنبر 2016، أشرف الملك محمد السادس، على تدشين الشطر الثاني من برنامج تأهيل المدينة القديمة للدار البيضاء، وقام بزيارة ضريح سيدي علال القيرواني الذي خضع في إطار نفس الشطر من برنامج تأهيل المدينة القديمة، حيث هم هذا المشروع إعادة تأهيل الضريح، وقاعة الصلاة، ومختلف المرافق.
وتحمل مختلف هذه المشاريع في طياتها طموحا جديدا بالنسبة للمدينة القديمة، تماشيا مع الانتظارات المشروعة لساكنتها في المجال الثقافي والسوسيو- اقتصادي والعمراني، وذلك بهدف تحسين ظروف عيش الساكنة، والارتقاء بجمالية المشهد الحضري للمدينة، والحفاظ على موروثها التاريخي، المادي واللامادي.