شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

تندرارة.. ثروة الغاز المدفونة تحت بؤس الساكنة

 

مقالات ذات صلة

 

نعيمة لحروري

 

في أعماق تندرارة، ترقد ثروة طبيعية هائلة تُقدر بمليارات الأمتار المكعبة من الغاز، بينما على السطح، يعيش السكان في ظروف قاسية، بين خيام مهترئة لا تقيهم قسوة البرد، وفقر مدقع يُثقل كاهلهم. هذه المفارقة الصارخة بين الغنى المدفون تحت الأرض والبؤس الماثل فوقها لا تثير الأسى فحسب، بل تطرح تساؤلات حقيقية عن غياب العدالة الاجتماعية، الذي يبقي سكان المنطقة محرومين من حقوقهم المشروعة في الاستفادة من ثروات أرضهم.

في تندرارة، لا تُترجم ثروة الغاز إلى مشاريع تنموية أو فرص عمل، بل تظل محصورة في صفقات وشراكات تُعقد في الكواليس، بعيدة عن أعين السكان الذين لا يسمعون عن ثروتهم إلا عبر الأخبار، دون أن يلمسوا أي أثر إيجابي على حياتهم اليومية. سكان المنطقة لا يطلبون المستحيل، بل يطمحون فقط إلى حقوق بسيطة: منازل تحفظ كرامتهم، مرافق صحية وتعليمية تُحسن من ظروف حياتهم، وبنية تحتية تُنهي عزلة منطقتهم.

الحكومة اليوم أمام مسؤولية تاريخية للتدخل العاجل. فالثروات الوطنية ليست مجرد أرقام في تقارير، أو مصدرا لتمويل خزائن الدولة، بل يجب أن تكون وسيلة مباشرة لتحسين حياة المواطنين، خاصة أولئك الذين يعيشون في مناطق إنتاج هذه الثروات. تخصيص جزء من عائدات الغاز لتنمية المنطقة ليس رفاهية، بل ضرورة مُلحّة. إنشاء صندوق تنموي خاص بتندرارة يمكن أن يكون بداية للحل، شرط أن يركز هذا الصندوق على تطوير الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة، وتنفيذ مشاريع فلاحية ومائية تخفف من تبعات الجفاف، الذي قضى على مصادر رزق الكثيرين في المنطقة.

كما أن للشركات المستثمرة نصيبا من المسؤولية. عليها الالتزام بتوظيف أبناء المنطقة وتدريبهم، ليكونوا جزءا من سلسلة إنتاج الثروة التي تبدأ من أرضهم. هذا التوجه لن يُساهم فقط في تحسين دخل الأسر، بل سيعزز أيضا الشعور بالانتماء والثقة لدى السكان تجاه المشاريع التي تُقام على أرضهم.

الشفافية هي العنصر الأساسي لضمان العدالة. لا يمكن أن تبقى عائدات الغاز حكرا على فئة معينة، تُدار في الخفاء، أو تُستخدم لتمويل مشاريع بعيدة عن احتياجات السكان المحليين. يجب أن تُوضع آليات واضحة لإشراك المجتمع المدني وسكان المنطقة في مراقبة صرف العائدات. هذا هو الحد الأدنى لضمان وصول التنمية إلى مستحقيها.

تندرارة ليست مجرد منطقة نائية، أو اسم في خريطة، بل هي جزء من هذا الوطن، وسكانها جزء لا يتجزأ من نسيجه الاجتماعي. هم لا يريدون أكثر من فرصة للعيش بكرامة، وهي حق أساسي لا ينبغي لأحد أن يجردهم منه. لن تُعالج أزمة التهميش بخطابات جوفاء، ولا بوعود موسمية تتبخر مع أول اختبار للجدية.

إذا كانت الدولة جادة في تحقيق العدالة الاجتماعية، فهي أمام تحد حقيقي. سكان تندرارة لا يملكون رفاهية الانتظار، ولا ينبغي أن يكونوا مجرد أرقام في تقارير التنمية. لهم حق في ثروتهم، وحق في أن يعيشوا حياة أفضل. السؤال الأهم الآن: هل ستستجيب الحكومة لصوتهم الصامت، أم ستظل تندرارة عنوانا جديدا لمأساة التهميش في مغرب التناقضات؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى