كم من مرةٍ وقفت فيها المنظومة التعليمية عند المُفترق، وفي كل مرةٍ، كانت هوامش الخطأ والعودةُ عن الطريق الخطأ ممكنةً، ولكن الأمر يبدو مختلفًا هذه المرة، لأن عبور المنظومة التعليمية في الاتجاه الخطأ قد يكونُ بلا عودة لفترةٍ يصعبُ تقديرها لسنوات وربما لعقود. لذلك يقفُ تعليمنا، منذ الموسم المقبل، عند مفترق طريقين يقودُ أحدهما إلى انطلاق إصلاحات حقيقية وفعلية وملموسة وذات أثر فوري قادرةٍ على إنقاذ ما يمكنُ إنقاذه من الدمار الذي لحق المدرسة العمومية والمدرس والبرامج التعليمية، بينما يؤدي الثاني إلى تضييع الفرصة الأخيرة للإصلاح والخضوع لقدر انهيارٍ كامل للتعليم.
لقد قررت الدولة بكل مؤسساتها السيادية رؤية للإصلاح التعليمي وتبنت قانون إطار عبر للحكومات وتم التوافق على مخرجات النموذج التنموي في شقه المتعلق بالإصلاح التعليم، وتم التصويت على البرنامج الحكومي الذي يتضمن إصلاحا جوهريا للمنظومة التعليمية، لذلك لم يعد هناك أي مبررات واهية أو ذرائع ملتوية تطلقها الحكومة لتسويف انطلاق هذا الاستحقاق الوطني المصيري بداية الموسم المقبل.
لقد حان الوقت بعد تأخر طويل أن تصل قناعة صانع القرار إلى أن الاستثمار الحقيقي في مجال التعليم باعتباره الأساس الذي يقوم عليه التغيير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، والعمود الفقري الذي يجيب على الكثير من أسئلة التيه والدوران في الحلقة التنموية المفرغة التي تعيد إنتاج الفقر والبطالة والحرمان والتخلف. لذلك فإنقاذ التعليم الأولي والابتدائي والإعدادي والثانوي، في هذه المرحلة بالضبط أهم من البنية التحتية، وتتجاوز أولوية الخدمات الأساسية، وأولى من كل السياسات العمومية ولا تقل أهمية عن الوحدة الوطنية، ومن المفترض أن يتقاسم التعليم والدفاع عن الوطن نفس الاهتمام مناصفة.
إن تحدي إصلاح المنظومة التعليمية خلال الموسم الدراسي المقبل، يضعنا أمام مستقبل التنمية ومصير الأجيال القادمة بل مصير دولتنا وإنجاح هذه الخطة هو ليس إرادة سياسية وتصريحات إعلامية وقوانين إنشائية فقط، بل قرارات جذرية وفورية وملموسة وفعالة، فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما، فالأمر الأول إبقاء أوضاع التعليم كما هي عليه وفي أحسن الأحوال تجميلها بـ «روتوشات» كاذبة مع ما يستتبع ذلك من فقدان الأمل في الإصلاح والأمر الثاني النهوض نهضة واحدة بالمدرسة العمومية والخصوصية ومدرسيها والعاملين فيها وهو الموقف الوطني الكبير الذي تنتظره الأجيال الحالية والقادمة.