تدريس الفن
المصطفى مورادي
النشاط الفني الوحيد الذي يُنظم في مدارسنا غالبا ما تتم برمجته في آخر السنة. ولنتصور سنة دراسية بالكامل بدون فن، حيث يقضي التلميذ عشر سنوات ليحصل على البكالوريا دون أن يمتلك أدوات فهم فن من الفنون. فالأساتذة غير مؤهلين بحكم تكوينهم لتدريس الفنون. والبرامج تختصر التربية الفنية في التعليم الابتدائي في «تلوين الأزهار»، ليختفي هذا النوع من التربية في المرحلتين الإعدادية والثانوية. فمراكز تكوين الأساتذة لم تعد تفتح التكوين في هذا المجال، والعدد القليل من أساتذة الفن تم تكليفهم بتدريس مواد أخرى. وقد يحصل، بناء على مبادرات فردية لبعض الأساتذة أن تنظم مسابقات، غالبا ما تبقى في حدود اللغة (الشعر، الخطابة، المناظرة..). أما باقي الفنون وخاصة الموسيقى فمغيبة بشكل نهائي. وما تبقى من أساتذة الموسيقى تم إجبارهم على تولي الإدارة، لأنهم بالنسبة إلى الوزارة مجرد «أشباح».
وبالمقارنة بفرنسا مثلا، تعتبر حصص الموسيقى إجبارية وهي تصل إلى ثلاث ساعات أسبوعيا، يكون فيها التلاميذ مجبرين على التعامل مع آلة من اختيارهم. كما أن المنهاج الخاص بها يجبرهم أيضا على قضاء ساعات في منازلهم يتعلمون العزف على قطع موسيقية ليقدموها في الحصص. بمعنى آخر فالتربية الموسيقية جزء رئيسي مما يسمونه «القاعدة المشتركة للمعارف والكفايات والثقافة». بل إنه تم إنتاج ميثاق يحمل اسم «ميثاق من أجل تربية فنية وثقافية» وقعت عليه الدولة إلى جانب فاعلين وطنيين وجهويين، لتصبح التربية الفنية إجبارية من روض الأطفال إلى الجامعة.
إذا كان التثقيف في مجال الفنون والثقافة هو في المقام الأول تطوير للذوق الفني عند التلاميذ وتعبئتهم للتفكير في العالم، فعندئذ ينبغي أن يعلم كل مربي أو وسيط تربوي على أن المشاعر والعواطف تتداخل مع اكتساب اللغات الفنية، وأن التثقيف الفني هو تنمية لبعد أساسي في شخصية التلميذ هو البعد الوجداني، ومنه التعاطف مع الآخرين وفهمهم والتواصل معهم، سواء كانوا معاصرين له أو كانوا «تراثا ثقافيا» تركه أناس فائقو الحساسية والذكاء تجاه الوجود الإنساني في العالم.
فإذا كان تعميم التعليم يعني «دمقرطة» الفرص الاجتماعية، فإن تعميم التربية الفنية يعني دمقرطة الذوق الفني. والسؤال هل الأنشطة، المسماة «حياة مدرسية تجعل من الممكن التغلب على عدم المساواة الثقافية والفنية؟ يطرح هذا السؤال مشكلة في تصور الوزارة للتربية. فهي تختصر التعلم فقط في الجانب العقلي أو المعرفي، بينما الأبعاد الأخرى لا تزال مغيبة. ومنها البعد الفني-الوجداني. فالتربية الفنية ليست مجرد «عبء» لا توليه السلطات التربوية أية أهمية، على صعيد التكوين وتطوير المضامين والأنشطة، بل ينبغي أن تكون حاضرة في كل المواد الدراسية. فبالرغم من أن بعض المواد تتضمن دروسا عن الفن (اللغات، الفلسفة..) إلا أن طريقة تدريسها تغلب الجانب المعرفي الخالص. الأمر الذي يؤدي إلى وضع يتم فيه تدريس الفن بطريقة لا علاقة لها بالفن. وهذا أمر يمكن تفسيره بكون هذه الأنشطة التعليمية غالبا ما يتم التعامل معها على أنها غير هامة لأنها لا تطرح في الامتحانات الإشهادية. الأمر الذي يؤدي إلى أن الأغلبية لا تنجز هذه الدروس أو تنجزها بأنشطة غير فنية. فالفن في ثقافتنا التربوية السائدة يصلح فقط للحفلات العشوائية لنهاية السنة الدراسية وليست ركيزة أساسية من ركائز المناهج التربوية.