تحيا «المؤامرات»!
جلبير الأشقر
نعيش في زمن خطير يستوجب أقصى درجات اليقظة. فنحن إزاء سلسلة جديدة من المؤامرات في منطقتنا، بدأت قبل ما يناهز تسع سنوات. وقد كشف الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، قبل أن يفر إلى مملكة آل سعود التي وجد فيها مثواه الأخير، أن ما بدأ في سيدي بوزيد يوم 17 دجنبر 2010 وتحول إلى انتفاضة شعبية عارمة عمت كل أرجاء البلاد، إنما كان «مؤامرة للمس باستقرار تونس بهدف تغيير النظام». ومثله، حذر رئيس مخابرات مصر ونائب رئيسها، عمر سليمان، من أن الحراك الذي انطلق يوم 25 يناير 2011 إنما تحول إلى مؤامرة بمجرد استمراره، وهي المؤامرة التي جعلت الرئيس المخلوع حسني مبارك يسلم السلطة للجيش من أجل تداركها..
أما الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، فقد ألقى خطابا أمام طلاب كلية الطب في جامعة صنعاء، في أول مارس 2011، أكد فيه أن «الربيع العربي» إنما هو «مجرد ثورة إعلامية تديرها الولايات المتحدة من غرفة في تل أبيب». ومثلما أسرع حكام البحرين إلى التنديد بالمؤامرة الإيرانية التي اندلعت في مملكتهم تديرها في نظرهم غرفة بطهران، لم يتأخر ملك ملوك إفريقيا الراحل، معمر القذافي، في فضح حقيقة الانتفاضة الشعبية التي هبت في ليبيا. ويتذكر الجميع تأكيده، وهو يخاطب سكان مدينة الزاوية بعد أيام من بدء الانتفاضة ضد حكمه القراقوشي، أن تنظيم «القاعدة» يقف وراء «التغرير بأبناء الزاوية الذين يقل عمرهم عن 20 سنة لإشاعة الفوضى والدمار». وقد دعا آنذاك أبناء المدينة إلى القبض على «أتباع بن لادن»، مناشدا إياهم أن «ينزلوا إلى الشوارع ويمسكوا أولادهم الصغار الذين غررت بهم عناصر من «القاعدة» الهاربة من «غوانتانامو»، وأن يعالجوهم «من حبوب الهلوسة الموضوعة في القهوة والحليب»».
وبعد أيام، أعلن ملك الملوك أن نطاق المؤامرة قد توسع وباتت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تشارك فيها. أما الرئيس السوري بشار الأسد، فبعد أسبوعين من بدء الحراك إثر أحداث درعا، ألقى خطابا شهيرا كشف فيه أن سوريا «تتعرض لمؤامرة كبيرة خيوطها تمتد من دول بعيدة ودول قريبة ولها بعض الخيوط داخل الوطن، وتعتمد هذه المؤامرة في توقيتها لا في شكلها على ما يحصل في الدول العربية…».
وأما الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، فكل لسانه وهو يفضح المؤامرة التي تجسدت في الانتفاضة الشعبية، قبل أن تطيح به المؤسسة العسكرية التي طالما استند إليها حكمه الاستبدادي.
أما الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري، فقبل لقاء الرئيس الجزائري بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسوتشي، ألقى كلمة أمام وحدات عسكرية جاء فيها: «لقد سبق لي أن أشرت في العديد من المناسبات إلى أن هناك أطرافا خارجية معادية تتربص بالجزائر وتحاول التدخل في شؤونها الداخلية، بتواطؤ مفضوح مع العصابة في الداخل التي نحذرها من اللعب بالنار، وهي محاولات يائسة تهدف بالأساس إلى زعزعة استقرار وأمن الجزائر… إننا لا نقول هذا الكلام من فراغ، بل لدينا معطيات تؤكد تورط هؤلاء العملاء وسنتخذ دون شك الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب».
وأما في العراق، فقد كشف مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة «الحشد الشعبي»، فالح الفياض، أن الذين يتظاهرون منذ بداية هذا الشهر بلا خوف من الرصاص ليسوا سوى «متآمرين» يعملون وفق مخطط يرمي إلى «إسقاط النظام السياسي وزرع الفتنة». وأكد أن «الحكومة تعرف تماما الجهات التي تقف وراء أعمال العنف التي شهدتها البلاد خلال الأيام الماضية، وسيتم الكشف في الوقت المناسب عن أسماء هؤلاء المتآمرين وكافة المعلومات بشأنهم».
ومن حسن حظ شعب لبنان أن الأمين العام لـ«حزب الله» لا يؤمن بنظرية المؤامرة، كما شرح بصورة مقنعة تماما في الكلمة التي ألقاها قبل أيام: «أنا أرفض نظرية المؤامرة، لكن بالأيام الأخيرة مجموعة المعلومات والمعطيات وأعيد وأقول ليس تحليلا، معلوماتنا ومعطياتنا التي قاطعناها من أكثر من مكان، الآن الوضع في لبنان دخل في دائرة الاستهداف السياسي الدولي والإقليمي، والذي يوظف جهات داخلية. ما عاد الموضوع حراكا شعبيا واحتجاجات شعبية وصحة وبيئة وفرص عمل وجوعانين وفساد وما شاكل…».
قالها بشار الأسد: «هناك صرعة جديدة هي ثورات بالنسبة إليهم ونحن لا نسميها كذلك». أما نحن، وما داموا يصرون على تسمية الثورات «مؤامرات»، فنقول لهم: فلتحيا «المؤامرات»!