حسن البصري
في الذكرى الخامسة لرحيل أسطورة كرة القدم المغربية عبد المجيد ظلمي، فجرت أرملته، ليندا، قضية سيرته الذاتية الممنوعة من الصرف ومن التداول. فقد كشفت لزميلنا رشيد البوهالي، المسكون بالتوثيق الرياضي، عن قلق دفين يسكنها بسبب السيرة المصادرة.
تتوفر أرملة ظلمي على ألفي نسخة من سيرة زوجها، لا تعلم كيف ستعرضها للبيع بالتقسيط أم بالجملة، بالبيع مع التوصيل أو بالبيع النضالي.
ألا يحز في النفس أن يكون مآل سيرة ظلمي اعتقال في علب مغبرة؟ وهو الذي قال عنه المدرب الراحل المهدي فاريا: «ظلمي كقارورة عطر بقدر ما هي صغيرة الحجم بقدر ما هي غالية الثمن»، لكن في زمن الجحود يفضل الجاثمون على صدر الكرة الاكتفاء بعطر الجيب الرخيص.
مرت ذكرى وفاة عبد المجيد ظلمي مرور «اللئام»، كان رئيس الرجاء الرياضي منشغلا باستبدال ما أسماهم بـ«الكراريس»، وكان حواريوه يمشون خلفه يصححون هفواته وهم يهتفون باسمه.
مرت ذكرى رحيل ظلمي دون أن يكلف حكيم من حكماء الرجاء، أو منخرط، أو لاعب سابق، أو مؤثر نفسه زيارة قبر الفقيد بمقبرة الشهداء. فقد ألهاهم التكاثر وانشغلوا بصفقة البحيري.
تبحث أرملة ظلمي عن طريقة لبيع كتاب «عبد المجيد ظلمي..المايسترو»، بعد أن أدار المكتب المسير للرجاء ظهره للاعب الذي صنع مجد الفريق. قررت اللجوء إلى البيع النضالي الذي يعرفه جيل سنوات الرصاص، حين كانت الهيئات التنظيمية للأحزاب السياسية تستنفر جهودها لبيع الجرائد الحزبية المصادرة إلى المناضلين بروح تطوعية عالية.
يمكن لجمعيات محبي الرجاء الرياضي أن تلعب هذا الدور وتساهم في بيع سيرة أسطورة الفريق بيعا نضاليا، صونا لكرامة الفقيد وأسرته. علما أن مسيرا سابقا في الرجاء قد أنجز كتابا أسماه «الأسطورة» يحتوي على 250 صفحة، وباعه في محلات «رجاء سطور» بـ250 درهما للنسخة، أي بدرهم واحد للصفحة الواحدة.
خصص المكتب المسير للرجاء حفلا مبهرا لتقديم الكتاب، كلف الحفل ميزانية تكفي لطبع السير الذاتية لكل نجوم الفريق الأخضر، وحضر وزير العدل حينها مصطفى الرميد، ورفيق دربه مصطفى الخلفي، وزير الاتصال السابق، انتهى الجمع وغادرت الشخصيات الحاضرة الفندق وهي تتأبط «الأسطورة»، بينما ظل كتاب الأسطورة الحقيقية في الدهاليز تعلوه طبقات الغبار.
لهذا كان ظلمي يرفض الزج به في سطور الكتب ويعتذر عن مرويات المذكرات، كان يعلم أن اللاعب إذا مات ينقطع عمله إلا من ولد صالح يدعو له، وجمهور يحفظ في ذاكرته ما تبقى من بلاء حسن. لقد كان عميد الرجاء ثوريا بالفطرة، متمردا بالنظرة.
كانت تربطه علاقة شبه عائلية بالمناضل السياسي عبد الله زعزاع، ويشده خيط رفيع مع أحد مؤسسي تنظيم «إلى الأمام».
حين يريد زعزاع الابتعاد عن صخب السياسة يجالس ظلمي، وحين يود ظلمي الهروب من جدل الكرة يلجأ إلى زعزاع. مع فرق صغير يجعل عبد الله مطلوبا من الأمن السياسي، وعبد المجيد مطلوبا لتحقيق الأمن الاجتماعي.
من يقرأ سيرة ظلمي ستستوقفه هذه العلاقة السوريالية بين لاعب وسياسي، وسيعلم أن ما كان يربط الرجلين علاقة ود وجيرة، خالية من المواد السياسية الحافظة.
لكن أم المفارقات أن يموت عبد المجيد في شقة بعمارة المارشال أمزيان، حيث يوجد المقر المركزي للحزب الاشتراكي الموحد، ومنها خرج جثمان اللاعب الدولي السابق إلى مثواه الأخير، وفيها أقيم حفل التأبين، بعد أن تفهم السياسيون الأمر وأغلقوا مقر الحزب للضرورة الإنسانية.
يذكر الرجاويون كيف تحولت مقبرة الشهداء إلى فضاء للاقتتال بين كتائب بودريقة وحسبان، شهد الموتى والأحياء كيف يودع المسيرون أساطيرهم، بل إن مخلفات غارة مقبرة الشهداء امتدت إلى موائد العزاء.
في بلد كتبت فيه أسماء الأساطير بالطباشير، لن نستغرب إذا كان الكتاب الأكثر مبيعا في المغرب هو «النيبرو».