يونس جنوحي
لا حاجة نهائيا إلى الحصول على ترخيص من أي وكالة فضاء للوصول إلى صور الأقمار الصناعية.
رحم الله تلك الأيام التي كان فيها رؤساء الدول يحتاجون إلى أيام من الاتصالات للحصول على موافقة وكالة الفضاء الأمريكية أو الروسية، لإجراء مسح جوي بالأقمار الصناعية، وينتظرون لساعات فقط ليستدير القمر الصناعي من مكانه ويتم توجيهه نحو البلد الذي يُراد مسحه.
الآن إذا استيقظ مسؤول في أي مدينة وقرر أن يجعل شارعا ما ممنوعا على السيارات، فإن المعلومة تظهر في اليوم نفسه على أشهر تطبيق للخرائط في العالم. ولا يحتاج الأمر سوى أيام معدودات لتُحين صور الأقمار الصناعية للعالم أجمع وليس مُدن المغرب فقط.
أشيع، خلال الأيام القليلة الماضية، أن ولاية الدار البيضاء استعانت بخدمات الأقمار الصناعية لرصد البناء العشوائي في محيط الملك البحري وضواحي المدينة. والحقيقة أن هذه الخدمة كان يجب الاستعانة بها من زمان، عندما كانت هذه الأملاك في طور البناء.
ربما لا يعلم أغلب مسؤولي المغرب، خصوصا في مجال الرخص ومحاربة البناء العشوائي، أن أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، وصلت إليه الاستخبارات الأمريكية بسبب غلط بسيط ارتكبه في لحظة فقط، رغم أنهم لم يصلوا إليه طوال عشر سنوات من الملاحقة جندوا فيها مخبرين سريين وعملاء ميدانيين وضباطا مدربين على التجسس وزرع آلات التنصت.
عندما استقر ابن لادن في مأواه الأخير، وهذا ما تؤكده الرواية الأمريكية الرسمية، كان أفراد أسرته ينشرون الغسيل، ونشرت إحدى زوجاته ملابسه في مكان مكشوف، وظلت خبيرة الاستخبارات المركزية الأمريكية، التي اشتبهت في المنزل منذ البداية، تراقب ظهور سكان المنزل في الساحة، وكلهم كانت أحجامهم لا تُناسب الملابس التي نُشرت في ذلك اليوم، وهكذا تقوت لديها فرضية أن يكون أسامة بن لادن يقيم فعلا في ذلك المنزل، واستمرت لأسابيع طويلة تحاول إقناع المسؤولين أن ابن لادن يقطن فعلا في ذلك المنزل بدليل أن ملابسه تُنشر مع بقية ملابس سكان البيت، إلا أنه الوحيد الذي لا يظهر له أي أثر في حديقة المنزل ولا يُغادره أبدا.
لولا الأقمار الصناعية لما وصل الأمريكيون إلى ألد أعدائهم، لكن المسؤولين المغاربة يرون يوميا تحديثات الأقمار الصناعية، وكيف تنمو الفيلات والإقامات الخاصة في الملك العمومي، وسط الغابات وبمحاذاة الشواطئ، بل ويتوصل أغلبهم بشكايات المواطنين من استفحال ظاهرة الاستيلاء على الملك العام، لكن وتيرة محاربة هذه الظواهر في المغرب كله تبقى بطيئة.
بعض المدن الصغيرة التي عاثت فيها تراخيص البناء العشوائية، أصبحت تعيش فوضى كارثية في التعمير ولم يعد ممكنا إعادة تصميمها أو هيكلتها إلا باتخاذ قرارات صارمة بهدم أغلب المنازل التي توجد في أماكن غير صالحة أساسا للبناء، أو أن واجهاتها غير موحدة. وهذه الفوضى تسبب فيها مسؤولون سابقون، بعضهم يوجدون اليوم في السجن على خلفية قضايا فساد واختلاس أموال عمومية، تساهلوا كثيرا في منح تراخيص البناء لحصد الأصوات الانتخابية.
الإقامات البحرية الفاخرة ليست طبعا في ملكية فقراء أحياء الصفيح والدور العشوائية، وإنما يملكها نافذون بعضهم مسؤولون في مؤسسات تشريعية ويمسكون زمام إدارات مؤثرة في الحياة العامة، لكن عندما يتعلق الأمر بسكنهم فإنهم يخرقون القانون بل ويُمثلون بجثته.
صور الأقمار الصناعية كان يجب أن تُستعمل منذ زمن بعيد وليس اليوم فقط. وبمجرد أن يتأمل مسؤولو جهات المغرب صور المناطق التابعة لنفوذهم، لا بد أنهم سيُصدمون، بداية من تتبع أماكن حاويات الأزبال التي توجد أغلبها بجوار المدارس والإقامات السكنية، وفي قلب الشوارع الرئيسية دون أي مراعاة للجمالية، وانتهاء بالفيلات المزودة بالمسابح، والتي توجد فيها ملحقات سكنية وترفيهية بدون ترخيص، و«بلا خبار القايد».