بسبب لا عدالة توزيع اللقاح عالميا.. نهاية الوباء مؤجلة 2/2
الدكتور الطيب حمضي طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية
جنوب إفريقيا التي تشهد تفشيا للوباء، والتي ستنتج ملايين اللقاحات في الأشهر القليلة المقبلة، لن يتم تزويدها بشكل لائق ومتناسب مع حالتها الوبائية حتى الصيف المقبل. في ماناوس بالبرازيل، حيث أصاب الفيروس بالفعل أكثر من نصف السكان، لم يتم حقن أي جرعة من اللقاح حتى الآن، بينما تلقى أكثر من 60 مليون شخص في البلدان الغنية جرعتهم الأولى على الأقل.
سيكون لهذا الفشل الأخلاقي للبشرية في اختبار «كوفيد- 19» عواقب على مسار الوباء نفسه. لن تنطفئ حرائق الوباء في بعض البلدان، بينما يبقى جمرها مشتعلا في دول أخرى. سيظل خطر استئناف الجائحة معيقا لمجهودات البشرية في احتوائها.
إن الفشل الأخلاقي بسبب هذه اللاعدالة المبنية على منطق قومية اللقاح، يهدد بإفشال نجاح طبي كبير: تطوير لقاحات آمنة وفعالة ضد فيروس كورونا في وقت قياسي، والتسبب في تراجع أمل السيطرة على الجائحة وإنهائها في الأجل المنظور بفضل المناعة التي ستوفرها اللقاحات.
ظهرت سلالات جديدة في بريطانيا وجنوب إفريقيا والبرازيل. كلما زاد انتشار الفيروس وإصابات الناس به وتكاثره، زادت احتمالية تحوره وظهور طفرات عليه. قد تتراجع فعالية اللقاحات المتاحة حاليا، إذا حدثت غدا طفرات أكبر قد تعقد الوضع الوبائي. إن ظهور مثل هذه السلالات في أي جزء من الكرة الأرضية، من شأنه أن يعرض جميع جهود احتواء الوباء للخطر. إن ظهور سلالة خطيرة لا تتعرف عليها مناعتنا، سواء المكتسبة بعد المرض أو بفضل التطعيم، سيسيء لجميع الجهود التي بذلت، بما في ذلك تلقيح السكان، وبما في ذلك في البلدان الغنية نفسها. لا مناعة جماعية، ولا حماية فعالة للسكان، ولا عودة إلى الحياة الطبيعية، ولا إعلان انتصار على «كوفيد- 19»، قبل السيطرة على الوباء في جميع مناطق العالم، إما كلنا آمنون وإما كلنا تحت رحمة الفيروس وطفراته.
من المتوقع أيضا أن تكون «قومية اللقاح» ولا عدالة توزيعه ضارين اقتصاديا للبلدان الغنية.
ونشرت منظمة الصحة العالمية تقريرا أعدته مؤسسة دولية مختصة يظهر أن التوزيع الحكيم للقاح، من شأنه أن يوفر أرباحا للدول الغنية العشر التي شملها التحليل تصل إلى 153 مليار دولار في عام 2021، وإلى 466 مليار دولار في عام 2025، أي أكثر من 12 مرة ضعف التكلفة الإجمالية لمبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد- 19 (ACT: Accelerator to COVID 19 Tools)، والتي قدرت كلفته بنحو 38 مليار دولار. وهو برنامج دولي يهدف إلى تسهيل نوع من الإنصاف في الولوج إلى وسائل التشخيص والعلاج والتطعيم وتعزيز النظم الصحية ضد «كوفيد- 19».
وبذل المغرب قصارى جهده لضمان الحماية المثلى لسكانه، بما في ذلك التطعيمات، لكنه في الوقت نفسه ومنذ تفشي الوباء، ظل متضامنا مع البلدان الإفريقية. إذ قام المغرب بإرسال مساعدات كبيرة إلى العديد من البلدان الإفريقية، في خضم أزمة صحية كان عنوانها الانعزالية والتقوقع، لتقديم مساعدات تشمل وسائل الحماية والعلاجات المضادة للفيروس. اليوم، لا يزال المغرب مدافعا عن القارة من أجل وصول أكثر عدالة للتطعيم، حيث وقع المغرب على اتفاقيات لنقل التكنولوجيا لإنتاج لقاحات في المغرب، للتطعيم ضد هذا الوباء وغيره، لخدمة المغرب وخدمة إفريقيا أيضا.
كما أن المغرب جزء من مبادرة «كوفاكس COVAX»، التي تقودها منظمة الصحة العالمية لضمان بعض المساواة في التزود باللقاحات عبر العالم، من خلال إتاحة تلقيح المهنيين الصحيين والأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بفيروس «كوفيد- 19»، أي 20 في المائة من سكان العالم. وللأسف تفتقر المبادرة للتمويل اللازم لتحقيق الأهداف، وسط جنون السباق نحو اللقاح.
ويجب تأطير روح التضامن والتقاسم هذه وتضمينها في قوانين الصحة العالمية، ضمن رؤية تبتغي ضمان تقاسم منصف يقود إلى استجابات فعالة أثناء الأزمات الصحية على النطاق العالمي.
بسبب هذه اللاعدالة، فإن نهاية الوباء مؤجلة بعض الوقت!
نافذة:
لا مناعة جماعية، ولا حماية فعالة للسكان، ولا عودة إلى الحياة الطبيعية، ولا إعلان انتصار على «كوفيد- 19»، قبل السيطرة على الوباء في جميع مناطق العالم، إما كلنا آمنون وإما كلنا تحت رحمة الفيروس وطفراته.