انتهازية
عرى قانون التعليم ما تبقى من أوراق التوت التي تغطي سوءات الحزب الحاكم، وكشفت أمراض السياسة وازدواجية الخطاب والممارسة التي يتفنن في أدائها الإسلاميون لمقاومة مصير الموت السياسي الذي يتجهون إليه بخطى سريعة بشكل فاجأ حتى ألد خصومهم السياسيين والإيديولوجيين.
فبنكيران وجد في هذا القانون الاستراتيجي ضالته السياسية لتصفية حساباته مع خصومه داخل الحزب وخارجه، فهو لن ينسى خروجه المذل من المشهد السياسي والتنظيمي بتأييد من إخوانه، فثقل تلك اللحظة مازال يتحكم في كل خرجاته حتى أصبح خطرا على المؤسسات، بل يحاول استغلالها لممارسة الابتزاز تحت شعار «لاعب ولى محرمها». والذين يعرفون جيدا بنكيران، خصوصا الرعيل الأول من إسلاميي المؤسسات، مؤمنون بأن أمينهم العام السابق أكبر مصنع لإنتاج البراغماتية في أسوأ صورها، وهو لا يهمه القانون في حد ذاته، ولا تحرك غيرة الدفاع عن مبادئ الحزب شعرة في جسده، لكن يريد أن يكون في الصورة وأن تتم كل التنازلات والتوافقات باسمه ومباركته، حتى ولو كان رجلا عاديا في الحزب ولا يحمل أي صفة تنظيمية، باستثناء أمين عام سابق.
فبنكيران ليس من طينة رجال دولة ورؤساء حكومات مروا على المغرب، آخرهم عباس الفاسي واليوسفي، واحترموا انتهاء مشوارهم السياسي وما يستوجبه من تحفظ، وتحولوا إلى قيادة رمزية للجميع وليس لأحزابهم فقط، وهذا ما لا يريد أن يستسيغه ساكن فيلا الليمون الذي يحرص بكل الطرق على البقاء تحت الأضواء ولو بلغة الابتزاز والتحريض على التمرد على المؤسسات.
فما معنى أن يقيم بنكيران الدنيا ولا يقعدها على مادة التناوب اللغوي التي لا تحتمل كل هذا اللغط الإعلامي والسياسي، وهو يدرك أن المادة مرت أمام المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك محمد السادس وأشر عليها؟ هل بنكيران أحرص على ثوابت البلد من رئيس الدولة وأمير المؤمنين والملك الدستوري؟ طبعا لا، لكن بنكيران يريد بعث رسائل أخرى غير تلك التي يحاول إقناعنا بها حول تخوفاته على لغة البلاد التي لا يتهددها القانون بأي شكل من الأشكال اللهم إلا في مخيلة بنكيران الذي يبحث عن معركة مجتمعية للعودة إلى المشهد الساسي.
للأسف، لا يفهم بنكيران أن معركته خاسرة ولن يسايره حتى إخوانه ليس لأن ادعاءاته كاذبة ودفوعاته ضعيفة، بل لأن صاحب تلك الخرجات فقد رصيده السياسي. فكيف لرئيس حكومة سابق ورئيس فريق العدالة والتنمية، (إدريس الأزمي الإدريسي) قدم استقالته من منصبه دفاعا عن اللغة العربية، واحتجاجا على تدريس اللغات الأجنبية، فيما يدرسان أبناءهما وذويهما بمدارس البعثة الفرنسية التابعة رسميا لجمهورية «موليير»، ثم يستكثران على المغاربة الانفتاح على اللغات بحجة أنها لغة المستعمر وتخدم اللوبيات الفرنسية. لا أحد سيقبل بهذا المنطق الانتهازي الذي يحلل لأصحابه تمكين أبنائهم من اللغات في مدارس مؤدى عنها بالملايين من جيوب دافعي الضرائب، بينما يشهرون سيوف الرفض تجاه تدريس لغة أجنبية لأبناء المغاربة.
ليس هناك من شك، اليوم، في أن قانون التعليم أدخل «البيجيدي» في نفق الرمادية، وليس له حل سوى الاختيار بين أمرين، إما أن يتحمل مسؤوليته في حماية المؤسسات والدفاع عن القوانين التي تضعها حكومته بعيدا عن وصاية بنكيران ووصايا جماعة التوحيد والإصلاح، وإما أن ينسحب من الحكومة ويتحول إلى معارض لسياساتها. أما سياسة «كْوي وبُخ» فأصبحت مثيرة للغثيان، حتى لا نقول شيئا آخر.