شوف تشوف

الرأي

اليوم العالمي للمرأة.. عيد بطعم المرارة

يحتفل غدا، مثل كل 8 مارس، باليوم العالمي للمرأة. وبهذا العيد تكون قد مرت على تقنين الاحتفال من طرف الأمم المتحدة قرابة أربعة عقود، 39 سنة تحديدا. إذ لم توافق منظمة الأمم المتحدة على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977 بعد أن تبنت غالبية الدول الثامن من مارس، وتحول ذلك اليوم بالتالي إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن. خلال هذه العقود الأربعة تحققت الكثير من المنجزات لا بفضل السياسات الحكومية بل نتيجة لنضالات الفعاليات الفردية أو الجماعية، وبالأخص بفضل المجتمعات المدنية التي نزلت إلى معترك الساحة للدفاع عن الحقوق العادلة للنساء. في البلدان المتقدمة وجدت هذه النضالات ترجمتها الفعلية في إنجازات لا يستهان بها على مستوى التكافؤ في ميادين الشغل، الحقوق المدنية والإنسانية. وتحولت بعض أعلام هذا النضال من النساء إلى رموز مرجعية خارج بلدانها.. من أمثال سيمون دي بوفوار، بيتي فريدمان، إيلا بايكر، أنجيلا ديفز وغيرهن. في المجتمعات العربية الإسلامية لم يكن وضع النساء هينا تحت أنظمة استبدادية وأبوية عملت على وضع المرأة داخل إطار ديكوري محيطه المنزل، أو لما عهدت لهن بمهام شبحية وتافهة، من قبيل قطع الشرائط، تسليم الجوائز، ترؤس حفلات تافهة أو تعيينهن رئيسات لاتحادات شكلية. ومع انتفاضات ما سمي «الربيع العربي» تململت الكثير من الأشياء لما رفعت شابات خرجن للشوارع شعارات المطالبة بالتحرر والمساواة وتحقيق متطلبات الحياة اليومية وإنهاء الوصاية الذكورية، زوجية كانت أم أبوية. وعلى هدي فاعلات ومفكرات نسويات من قبيل هدى الشعراوي، نوال السعداوي، فاطمة المرنيسي، آسية جبار، إلخ.. أو على هدي الحركات التحررية الإسلامية بآسيا، انبثقت في المشهد الدولي صورة بديلة للمرأة العربية غير تلك المكرسة من طرف السياسات الرسمية، من طرف السلفيين أو الإعلام الغربي. وتأتي جائزة «نوبل» للسلام التي نالتها اليمنية توكل كرمان والتونسية وداد بوشماوي لتوفير البرهان على ذلك.. غير أن انبثاق الأنترنت وأدوات التواصل الاجتماعي منح المرأة سلاحا قويا لخلق المزيد من الشفافية من حول مطالبها وواقعها. لكن هذه الأدوات التكنولوجية على نجاعتها أبانت عن محدودية قدرتها على وضع حد للعنف والتحرشات والقتل الممارس ضدهن، إذ خلقت الأنترنت وأخواتها سلطة مضادة مكنت أقطابا مافياوية من الرجال من ابتكار أساليب تحكم وهيمنة جديدة وغير مألوفة.
غدا، وبهذه المناسبة، سترفع الشعارات الجوفاء، ستلقى الخطب الرخوة، تدشن المشاريع وتقام الندوات.. وهي سلوكيات بافلوفية يعاد تلويكها كل عام. لكن تصفحا سريعا لوضعية المرأة في العالم العربي يكشف أن أحوالها تزداد سوءا بسبب الحروب، البؤس والتشنجات وتبعاتها، والتي تبيح وتتيح كل التجاوزات اللاإنسانية من سبي، قتل أو اغتصاب. كما أن بعض البلدان باسم إيديولوجية لاهوتية قروسطية تنفي عن المرأة حتى صفة الإنسانية. الدليل على ذلك إعلان الأكاديمية السعودية للتدريب والاستشارات، التي نظمت دورة، من تقديم مدرب في اسم فهد الأحمدي، في تيمة: «هل المرأة إنسان؟». وسبق لشيوخ ضالعين في الجهل أن طرحوا أسئلة، من قبيل: «هل المرأة ناقصة عقل؟» «هل المرأة عورة؟» إلخ.. لذا فإن الثامن من مارس أصبح بطعم المرارة. أي احتفال إذن في زمن العنف والتعنيف؟ أي ثامن مارس لنساء يرتمين رفقة أطفالهن في قوارب الموت ليجدن أنفسهن وفي أحسن الحالات في طرقات مسدودة لا تفضي لأي اتجاه؟ غدا، كيف سيكون عليه حال فتيات اليوم اللائي يعشن التيه والتشرد في بلدان لم تعد ترغب في احتضانهن؟ على مستوى آخر فنسبة الفتيات الحوامل القاصرات من نازحات سوريا مثلا اللائي يصلن إلى ألمانيا وسويسرا، قفز من 13 إلى 30 في المائة، ويتراوح سنهن بين 13 و15 سنة. وتدخل إلى بلد مثل سويسرا 3 فتيات قاصرات في اليوم كما يشكل دخولهن وإجراءات استقبالهن مشاكل قانونية عويصة تطرح على بلدان الاستقبال. واتهمت منظمات حقوقية بعض الدول الأوروبية التي تعترف بزواج القاصرات، بتشجيع «البيدوفيليا». ودقت سلطات بعض الدول جرس الخطر نتيجة اختفاء بعض القاصرات اللائي قد يكن سقطن بين أيدي مافيات الاتجار في البغاء.
الخلاصة أن العديد من النساء أصبحن في أكثر من بلد عربي وأوروبي إما رهائن أنظمة استبدادية باسم القومية أو اللاهوتية أو رهائن «داعش»، أو رهائن المافيات بأوروبا. الرهان اليوم هو تحرير نساء العالم العربي من هيمنة هذا الثالوث المتسلط.. وكل عام ونساء العالم بألف خير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى