المواطن بوصفه رهينة
يبدو أنه ليس هناك إجماع بين المحامين حول مخرجات اتفاق جمعية هيئات المحامين مع حكومة عزيز أخنوش، إذ مباشرة بعد انتهاء الاجتماع خرجت أصوات متفرقة بهيئات الدار البيضاء وبني ملال وغيرهما للتنديد بالاتفاق والمطالبة بالاستمرار في الإضراب عن العمل وشل عمل المحاكم.
وبعيداً عن الغوص في كواليس الانشقاق الداخلي داخل بيت أصحاب البذلة السوداء، فإن استمرار الإضراب في بعض المحاكم، رغم التوصل إلى توافق بين الحكومة والمحامين بشأن التضريب، يعكس عمق الأزمة بالبيت الداخلي للمحامين والتي يبدو أنها ذات طابع سياسي أكثر منه فئويا أو قطاعيا.
وفي متابعة للحوار الذي يجريه رئيس الحكومة مع هيئة المحامين لوقف إضرابهم، يغيب الحد الأدنى من المسؤولية التي تضمن الخدمات القضائية للمواطنين وتخفف عنهم مشقة وتكاليف الانتقال إلى المحاكم دون قضاء حوائجهم، ما يضع المواطن رهينة مصالح فئوية من جهة بعض المحامين وتوجهات من جهة الحكومة. والغريب في الأمر أن كلا الطرفين يدعي حرصه على مصلحة المواطن ولكن ادعاءهما يقف عند حد الشعارات. فالمواطن الذي تعطلت مصالحه القضائية لا يحتمل الشعارات الرنانة والتراشقات الإعلامية والمناكفات السياسية بين الحكومة والمحامين أو داخل المحامين أنفسهم.
فهل سيبقى السجال بين الحكومة والمحامين مستمرا «حتى إشعار آخر» بينما المواطن هو الخاسر الوحيد؟
وللأسف فالمواطن ليس رهينة في قضية المحامين وحدهم بل في عدد من القطاعات المهنية، حيث أصبح مثل «الحجام» يعلق عندما تسقط الصومعة، فهو في الأخير من يؤدي ثمن قرارات حكومية مرتبكة ونقابات لا تشعر بأي عيب عندما تتعمد الضغط على الحكومة بعقاب جماعي للمواطنين، سواء تعلق ذلك بقطاع الدفاع أو التعليم أو الصحة.
إن ما يعيشه المواطن من مأساة ومعاناة مع الحياة في مجالات اجتماعية أخرى يفوق تصورات العقل الإنساني والأخلاقي، فالأزمات المتعددة أنهكت قواه وهو ليس في حاجة لمشاكل توقف مصالحه القضائية وتعطل حقه الدستوري في التقاضي. لذلك ليس من المسموح لأي جهة أن تأخذ المواطن ومصالحه رهينة، حتى وإن كانت مطالبها أو قراراتها عادلة.