لمياء جباري
يستهدف المغرب مضاعفة القدرة الإنتاجية للسيارات الكهربائية بنسبة 100 بالمائة، على الأقل خلال العامين إلى الأعوام الثلاثة المقبلة، كما سيطلق برنامجاً لزيادة محطات الشحن الكهربائي في المملكة.
إنتاج البطاريات
يعتبر قطاع صناعة السيارات ثاني أكبر القطاعات المصدرة في المملكة، إذ بلغت مبيعاته في نهاية يوليوز 2022 حوالي 5.6 ملايير دولار. وتصل القدرة الإنتاجية لمصانع شركتي «رونو» و«ستيلانتيس» حوالي 700 ألف سيارة سنوياً، منها 50 ألف سيارة كهربائية حالياً.
وتوجه النسبة الأكبر من إنتاج السيارات بالمغرب للتصدير نحو الخارج، خصوصاً الاتحاد الأوروبي الذي قرر عدم قبول السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي ابتداءً من 2035، وهو ما يسعى المغرب إلى مواكبته بإحداث تحول في منظومته الصناعية.
ويستهدف المغرب بلوغ قدرة إنتاجية سنوية من السيارات بنحو مليون سيارة في السنوات المقبلة، لكن يبقى الرهان الأكبر على الزيادة التدريجية لإنتاج السيارات الكهربائية، وزيادة نسبة المكون المحلي في السيارات التي ينتجها إلى 80 بالمائة من 65 بالمائة حالياً، وفقاً للخطة المستهدفة.
وللنجاح في رهان التحول نحو السيارات الكهربائية، يحتاج المغرب ضمان توريد البطاريات، وهي عنصر أساسي في قيمة السيارة الكهربائية. في شهر يوليوز الماضي، أعلن رياض مزور وزير الصناعة والتجارة أن المغرب يتفاوض مع شركات مصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية من أجل إنشاء مصنع قبل نهاية العام الجاري.
ومن شأن المصنع المرتقب أن يعطي دفعة قوية لقطاع السيارات في المملكة ويدعم تحوله نحو السيارات الكهربائية التي يتزايد عليها الطلب بشكل كبير عبر العالم، للتخفيف من انبعاثات الكربون، على اعتبار أن النقل يعتبر من القطاعات الكبيرة الملوثة.
ويراهن المغرب في هذا المشروع على إمكانياته المتوفرة من المواد الخام المستعملة في إنتاج البطاريات الكهربائية، وخصوصاً معدن الكوبالت الذي يعتبر عنصراً أساسياً.
ويعد المغرب ضمن أكبر خمسة منتجين للكوبالت عالي النقاوة في العالم، حيث يتم استخراجه من منجم يوجد جنوب شرق البلاد منذ عام 1930، بحسب معطيات لشركة «مناجم». ويمثل الكوبالت حوالي 36 بالمائة من حجم مبيعات شركة «مناجم» والذي بلغ العام الماضي 7.4 مليارات درهم (700 مليون دولار).
وفي يونيو الماضي، أبرمت مجموعة «رونو» الفرنسية لصناعة السيارات اتفاقاً مع «مناجم» لشراء مادة كبريتات الكوبالت الموجه لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، حيث سيتم تزويد المجموعة الفرنسية بـ5000 طن من كبريتات الكوبالت سنوياً، على مدى سبع سنوات ابتداء من عام 2025.
توسيع نطاق الشحن للسيارات الكهربائية
في طموح المغرب إلى تحقيق هدف الاعتماد على 52 في المائة من الطاقة النظيفة والمتجددة، بحلول سنة 2030، شرع في التخطيط لتوسيع نطاق الشحن الكهربائي للسيارات والمركبات الكهربائية، وذلك بالاستعانة بشركة «EVConsult» المكلفة من وكالة المشاريع الهولندية، من أجل وضع خارطة طريق يتم فيها العمل على مراحل نحو نظام بيئي شامل لهذه البنية. وأوضحت الشركة، في بلاغ، أن تهييء البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية لا يزال في مراحله الأولى في المغرب، مبرزة في المقابل أن طموح البلد في هذا المجال يُعد عالياً، كما أنه يستفيد من تجارب البلدان التي اشتغلت بالفعل على هذا الورش.
وأبرز البلاغ ذاته أن المغرب يتوفر حالياً على 120 محطة شحن كهربائية، من بينها 5 محطات للشحن السريع، غير أن نسبة السيارات الكهربائية من إجمالي السيارات المتجولة في المغرب تمثل أقل من 1 في المائة.
وتقترح «EVConsult»، استناداً إلى بحث مكثف أجرته في المغرب، إعداد مخطط على المدى القصير 2022-2025 لتوسيع نطاق شبكة الشحن السريع ومباشرة الإجراءات التحضيرية الأولى لطرح مناقصات النقل العمومي للحافلات الكهربائية. كما تقترح إحداث لجنة عمل مركزية مشتركة تضم القطاعين العام والخاص في مجالات السيارات الكهربائية والطاقة، وذلك من أجل التنسيق وتبادل الأفكار، وتنظيم دورات تدريبية للموظفين التقنيين الذين سيسهرون على هذا الورش، إلى جانب إعداد مخطط للتحفيز على اقتناء المركبات الكهربائية.
وتوصي الشركة المتخصصة بأخذ الدولة المغربية، على المدى القصير، زمام المبادرة في تهييء البنية التحتية للسيارات الكهربائية، ثم فتح المجال بين عامي 2025 و2030 للقطاع الخاص والشركات والمستثمرين، ما سيعطي أيضا دفعة للاقتصاد ويوفر العديد من الفرص للتعاون مع البلدان الإفريقية الأخرى وخارجها.
وأشارت إلى أن ما يساعد على نجاح هذا التحول في المغرب هو امتلاكه لشبكة طرق ممتازة، كما يعد لاعباً عالمياً في إنتاج السيارات، حيث من المتوقع أن يصير أكبر منتج للسيارات في إفريقيا بحلول عام 2030.
وبالإضافة إلى ذلك، يضيف بلاغ الشركة، لدى المغرب بيئة غنية بمنتجي الفوسفور، وذلك لتوفره على أكبر احتياطي للفوسفاط، الأمر الذي يمثل فرصة فريدة لإنتاج البطاريات للمركبات الكهربائية والتخزين المحلي للكهرباء في شبكة الطاقة، كما تعرف حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة المغربي تزايداً هاماً بفضل الكم الهائل من الطاقة الشمسية التي تنتجها البلاد.
إنتاج الرقائق الإلكترونية
إلى جانب البطاريات، تمثل الرقائق الإلكترونية عنصراً أساسياً في تصنيع السيارات الكهربائية، إذ نجح المغرب سنة 2020 في جلب استثمار قيمته 250 مليون دولار من الشركة الفرنسية الإيطالية «إس تي مايكروليترونكس» (ST Microeletronics).
ودشنت الشركة في شهر يونيو الماضي خط إنتاج جديد مخصص للمكونات الإلكترونية المستعملة في السيارات الكهربائية منها الرقائق الإلكترونية من الجيل الجديد، وهو ما سيمكن المغرب من إنتاج هذه الرقائق. ورغم تميز المغرب بصناعة السيارات إلا أن الحصة الأوفر من الإنتاج توجه بالأساس نحو التصدير، كما أن السيارات المصنعة تبقى محدودة في العلامتين الفرنسيتين «رونو» و «ستيلانتيس» .
ويستورد المغرب من الخارج باقي العلامات التجارية للاستهلاك المحلي، وشرعت الشركات المستوردة في اقتراح السيارات الهجينة والكهربائية على المستهلكين في المملكة.
ولا تتجاوز نسبة السيارات الهجينة والكهربائية نسبة 4 بالمائة من إجمالي المركبات المباعة في المغرب خلال نصف العام الجاري والبالغ عددها 83831 سيارة، وفق إفادات عادل بناني، رئيس جمعية مستوردي السيارات بالمغرب، وهو تجمع للشركات الموزعة للعلامات التجارية. ويؤكد وزير الصناعة والتجارة رياض مزور أن عدد السيارات الكهربائية في المغرب لا يزال ضعيفاً، وأرجع هذا الأمر إلى ضعف البنية التحتية الخاصة بالشحن.
في حديثه مع «الشرق»، قال الوزير إن الحكومة تستعد لإطلاق برنامج مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والقطاع الخاص من أجل تقوية البنية التحتية الخاصة بالشحن لتشجيع الإقبال على السيارات الكهربائية. ويفسر عدد من الخبراء ضعف رواج السيارات الكهربائية في المغرب بالحوافز الحكومية المحدودة وضعف شبكة الشحن.
قال رئيس جمعية مستوردي السيارات بالمغرب إن الحوافز الحكومية الخاصة باقتناء السيارة الكهربائية غير كافية، وهو أمر يتفق معه أبو بكر بنعزوز، المسؤول بمركز الطاقة الخضراء، وهو معهد بحثي رسمي مختص في الطاقات المتجددة.
تشمل الحوافز الحكومية المخصصة لتشجيع اقتناء السيارات الكهربائية والهجينة في المغرب الإعفاء من رسوم الجمارك والضريبة السنوية الخاصة بالسيارات، وهي تحفيزات لا تنعكس على الأسعار بشكل كبير.
رفع حصة إنتاج السيارات الكهربائية
جاء تصريح الوزير مزور متطابقا مع تقرير صادر مؤخرا عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أكد أن المغرب يتطلع إلى الرفع من حصة إنتاجه للسيارات، ليصل إلى مليون وحدة بحلول سنة 2025، من ضمنها 100 ألف سيارة كهربائية على الأقل.
وكان الوزير رياض مزور قد أكد خلال شهر مارس الماضي، أن المغرب ينتج حاليا 700 ألف سيارة، وأنه قادر على تحويل هذا العدد بأكمله إلى سيارات كهربائية. وفي السياق نفسه، أكد تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن المغرب قادر على رفع هذا التحدي وأن إنتاج المملكة لبطاريات السيارات الكهربائية سيكون ملائما للنظام البيئي.
وأضاف أن المغرب يملك المؤهلات التي تجعله قادرا على التحول إلى بلد رائد في تصنيع وسائل النقل «صديقة البيئة»، من خلال توسيع النظام البيئي الخاص بالسيارات ليشمل تصنيع البطاريات الكهربائية، التي تكلف لوحدها ما يقارب 40 بالمائة من تكلفة السيارة الكهربائية.
وكانت الحكومة قد اقترحت خلال نونبر 2021 تخفيض رسوم الاستيراد على خلايا الليثيوم أيون من 40 بالمائة إلى 17.5 بالمائة لتعزيز التجميع المحلي لبطاريات Li-ion باستخدام الخلايا المستوردة من شرق آسيا. وأوضح تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن مصنع «جيجا» الذي سيفتح بالمغرب قادر على ضمان إنتاج 300 ألف سيارة كهربائية إضافية.
وخلص التقرير نفسه إلى أن بناء مصنع «جيجا» بالمغرب، لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية سيجعل المملكة في موقع الريادة في مجال «النقل الأخضر» في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تساعد احتياطات المعادن الحيوية للبطاريات المغرب على ولوج مجال تصنيع السيارات الكهربائية، إلى جانب امتلاكه لموارد محترمة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى التطور المتسارع للبنيات التحتية.