الماء والسلم الاجتماعي
دق وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، بشكل رسمي ومؤسساتي ناقوس الخطر تجاه الوضع الحرج لمنسوب المياه، حينما أصدر مذكرة للولاة والعمال والمنتخبين مشددا فيها على اتخاذ كل ما يلزم لتقليص ضياع المياه وتطبيق قيود حول صبيب المياه الموجهة للمستعملين، وضرورة منع سقي المساحات الخضراء بالمياه الصالحة للشرب، ومنع غسل الطرقات والساحات العمومية.
الجميع يعلم أن معضلة المياه ليست ظرفية مرتبطة بشح السماء لهذا الموسم الفلاحي أو ذاك، بل هي تحد معقد واستراتيجي بعيد المدى يتداخل فيه ما هو قدر إلهي مرتبط بالتقلبات المناخية وما هو بشري تدبيري يتعلق بغياب الحكامة لدى الدولة والمجتمع وهو ما يضعنا اليوم أمام حقيقة مقلقة بسبب عدم التناسب بين الطلب والمنسوب المتوفر، الذي قد يتحول إلى عامل مزعزع للاستقرار الاجتماعي وكذلك إلى مزيد من الغضب تجاه الحكومات غير القادرة على ضمان الاكتفاء الذاتي، فالماء ليس هو البنزين أو بعض الخضر والفواكه التي قد يصبر المواطن على ندرتها أو غلاء أسعارها، إنه مرتبط بحياة المغاربة واستقرارهم بمناطقهم.
للأسف منذ اعتماد المغرب لقانون الماء في 2015 لم يحدث أي تحول جوهري على مستوى الإنجازات أو الاستراتيجيات لتأمين الأمن المائي، والغريب في الأمر أنه بعد مرور سبع سنوات على اعتماد القانون لم تخرج الكثير من مراسيمه التطبيقية وحتى تلك التي خرجت بقي تنفيذها متعثرا، ولم تفعل عدد من مؤسساته لا سيما شرطة المياه، لذلك لا زلنا نجد دورية من مثل تلك التي أصدرها وزير الداخلية تخرج للتحذير بسبب ضعف التساقطات المطرية التي تعري حقيقة عورات سوء تنفيذ هذا القانون.
وبدون مواربة فالكثير من معاناتنا مع المياه وانهيار معدل استهلاك المغربي لأقل من 700 متر في السنة مرتبط بغياب استراتيجية على أرض الواقع تدعم توجه بناء السدود الذي اعتمده المغرب منذ الملك الراحل الحسن الثاني، في ظل سوء التدبير حيث تعرضت المياه السطحية والجوفية، خلال السنوات الأخيرة، لأبشع استغلال وتم تفويت الكثير من العيون لشركات وطنية وأجنبية لتعبئة مياهها مقابل أثمنة باهظة.
وقبل فوات الأوان ودخول نفق أزمة اجتماعية جديدة، فالجميع، (مواطن وحكومة ومؤسسات وإعلام ومدرسة وجمعيات)، معني بهذا الخطر الداهم وعليه تحمل مسؤوليته لإنقاذ هذا القطاع الاستراتيجي من العبث والمزاجية والتلكؤ والاغتناء به، خصوصا أن كل المؤشرات والتخمينات الحالية تنذر بأزمة مائية غير مسبوقة ستكون لها إذا لم تتم معالجتها بشكل قبلي ترتيبات اجتماعية وسياسية.