شوف تشوف

الرأيالرئيسية

القوة الناعمة والعلاقات الدولية

حصلت على كتاب حديث الصدور من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية عن «الغاز» وإمكانياته وحظوظه الجديدة، بسبب الحرب في أوكرانيا، وردود الفعل عليها من جانب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

وبالإضافة إلى احتجاز الأرصدة الروسية بالبنوك الغربية، فرضوا عقوبات ووضعوا سدودا تمنع روسيا من بيع النفط والغاز. والطريف أن حلفاء الولايات المتحدة كانوا أكبر المستوردين للبترول والغاز الروسيين، وبذلك كانوا كمن أطلق النار على رجله! لكن يبدو أنهم قدروا أن روسيا سيقع عليها الضرر الأكبر، بالنظر إلى أنها ستحرم من نصيب كبير من دخلها الرئيسي.

والواقع أن روسيا لم تحرم من المستوردين وأهمهم الصين، لكن وزيرة الخزانة الأمريكية ذهبت، قبل أيام، إلى أن العقوبات، وبخلاف ما يزعم بعض الخبراء، أثرت وتؤثر كثيرا على مداخيل روسيا.

كل ما ذكرته، ولست خبيرا بالطاقة وتجارتها العالمية والصراع عليها، المقصود من ورائه تفحص الأبعاد الاستراتيجية لمفهوم «القوة الناعمة» الذي صكه الاستراتيجي الأمريكي جوزف ناي في التسعينيات، وفيه اعتبر أن تفوق «القوة الناعمة» لدى الولايات المتحدة هو ميزتها الكبرى وليس القوة العسكرية. والقوة الناعمة تتكون من عناصر عدة: القوة الاقتصادية، والقوة العلمية، والقوة الأخلاقية، والآمال البشرية والإنسانية بأمريكا، وإقبال شباب العالم وعلمائه عليها، وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، إلا إذا كان هناك خطر مهدد للأمن القومي. وفي مقابل كون العالم كله يعتبر الولايات المتحدة «فرصة» له، فإن الولايات المتحدة تتمتع بكفاية كبرى واستغناء كبير لجهة الاستقلالية الجغرافية والاستراتيجية، ولجهة الموارد الطبيعية والتكنولوجيات المصنعة، واختزان أرصدة العالم لديها.

اعتبر ناي أن هذه الميزات كلها أو بعضها يمكن للولايات المتحدة استخدامها في الأزمات وحتى في إعادة هندسة علاقاتها عبر العالم. ويبدو أنه في زمن الهيمنة (فترة تسعينيات القرن الماضي) خشي جوزف ناي من ميول استخفافية للإدارة الأمريكية تجاه الآخرين، والتسرع في استخدام القوة العسكرية. وقد استخدمت الولايات المتحدة القوة العسكرية كثيرا بعد العام 2001، لكنها فشلت في كل مرة، أو كانت النتائج التي أحرزتها أقل كثيرا مما أملته! ولو التفتنا أخيرا إلى العناصر التي ذكرها ناي للقوة الناعمة بأمريكا، لوجدنا أن العديد منها تآكل، فيما تتجه عناصر أُخرى إلى التضاؤل.

وفي ما يخص روسيا فإن قوتها العسكرية كبيرة، لكن لا يمكن اعتبارها ناعمة، إذ قواها الناعمة هي البترول والغاز وإنتاج الغذاء. وقد أفادت من ذلك كثيرا، وإلا فما معنى خط نوردستريم الأول والثاني. وقد بلغت موسكو من اقتناعها بالقوة لهذه الناحية، أن حسبت أن مواقف ألمانيا لن تتغير بضم القرم عام 2014 ولا بحرب أوكرانيا عام 2022. لكن ألمانيا غيرت مواقفها تماما، وسارت وراء الولايات المتحدة إلى النهاية بعد الحرب، وهي تعيد بناء جيشها الذي لم تلتفت إليه منذ خمسينيات القرن الماضي.

بيد أن الدرس الآخر الذي يمكن استظهاره هو أن فعالية «القوة الناعمة» محدودة، أو هذه هي وجهة نظر الرئيس بوتين ومفكره الاستراتيجي ألكسندر دوغين.. فهي تتطلب صبرا وحقبة طويلة تتجاوز قدرات روسيا الحالية على انتظار آثار استخدام النفط والغاز والغذاء في الضغوط، وذلك باعتبار أن مطامحها الاستراتيجية لا تنتظر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى