القضاء على الفقراء
بسيمة، التي لا تبتسم، لم تكن تعلم ربما، وهي في قمة الحماس أسفل قبة البرلمان، أنها ستجر على نفسها وابلا من الانتقادات، عندما سقطت، كغيرها من الوزراء، في فخ الأرقام وهي تدافع عن الحكومة التي تنتمي إليها، كوزيرة للمرأة والتضامن والتنمية الاجتماعية. لتقول إن الحكومة قضت تماما على الفقر.
الحقاوي، الحاصلة على إجازة في علم النفس للأسف، لم تجد حرجا في التأكيد على أن الحكومة حاربت الفقر، رغم أن الأسعار بشهادة الأصدقاء والأعداء، بلغت درجة غير معقولة. ودافعت عن كلامها باستعمال الأرقام. والحقيقة أننا لو ركزنا على أرقامهم، لاعتقدنا أننا نعيش في السويد وليس في المغرب. يبدو أن هؤلاء الإسلاميين، الذين يتملصون من خلفيتهم الفكرية بين الفينة والأخرى، متأثرون كثيرا بالإعجاز الرقمي، لذلك يحاولون دائما توظيف الأرقام للدفاع عن أشياء لا توجد إلا في الآلة الحاسبة.
لا بد أن السيدة بسيمة تتذكر ما وقع في ربيع سنة 2012، عندما نشرت وزارتها لائحة الجمعيات الحاصلة على الدعم العمومي، وخرجت هي إلى الإعلام لتقول إن وزارتها تعلن للمغاربة أين تذهب أموالهم، ووقف الأمر عند ذلك الحد، تماشيا مع صرخة الموضة التي اجتاحت الحكومة في سنتها الحكومية الأولى، حيث سبقها عزيز الرباح إلى إعلان لائحة مستغلي مقالع الرمال وهدد بنشر لائحة أصحاب «الكريمات»، ورأينا جميعا كيف أن الحكومة كانت فقط تمارس هواية النشر، دون أن تفكر في تفعيل المحاسبة ولا حتى الدعوة إليها.
الحقاوي تعلم جيدا، أن الفقر باق في المغرب، بل وتعلم أيضا أنه الشيء الوحيد الذي يزدهر ويتسع كل يوم. وإذا كانت الوزيرة لا تعلم هذه الأمور، فإننا ندعوها على الأقل، لتطلب من رئيسها في الحكومة أن يجلب لها وزيرتين حتى تساعدانها، وتحصل إحداهما على المرأة والأخرى على التضامن، ويتركوا لبسيمة التنمية الاجتماعية حتى نرى ماذا ستقول في مسألة الفقر. فأكثر الغاضبين أو الغاضبات على الأصح، من بسيمة الحقاوي، هي المرأة. فالجمعيات النسائية، خصوصا منها التقدمية، لم تترك في بسيمة الحقاوي شيئا لم تنتقده، حتى أن بعض المغاليات انتقدن شكلها، وكأن الوزيرة مطالبة بالمشاركة في عرض الأزياء وليس في تسيير الوزارة.
بدا واضحا منذ اليوم الذي انهالت فيه المنتقدات على بسيمة، أن آخر ما يهم نسائيات المغرب هو المرأة، وانشغلن بانتقاد حجابها وجلبابها، وما إن بدأت بسيمة تستأنس بالمكان، حتى وجهت إليهن مدفعيتها، ودخلت في حرب ضروس ضد التقدميات اللواتي لم يقدمن أي شيء لقضية المرأة المغربية، باستثناء تلك الندوات الجميلة والهادئة التي تناقش وضعية الأرامل، وارتفاع الحرارة في الأطلس، في مكاتب مكيفة ومعطرة. وهكذا استقوت عليهن بسيمة، لأن فاقد الشرعية لا يمكن أن يوجه أصابع الانتقاد إلى وزيرة لا أحد يعلم في ماذا تفكر.
من العيب أن تقول وزيرة مغربية ما قالته بسيمة الحقاوي عن الفقر، خصوصا وأن سياق الكلام كله مرتبط بقضية مأساوية لسيدة مغربية وضعت حدا لحياتها احتجاجا ضد الحكرة. إذا كان الفقر قد انتهى وانقرض، فلماذا ستصر سيدة في أرذل العمر على الاستيقاظ كل صباح، وجر عربة متهالكة في الشوارع لبيع الحلوى وقضاء ما تبقى من أيام الحياة في الفرار من المقدم والسطافيت؟
إذا كان الفقر قد انتهى، فلماذا لا تزال القاصرات تزوجن بالفاتحة في جبال لا يصل إليها إلا ملك الموت لأنه قادر على الطيران. إذا افترضنا أن الفقر قد انتهى في المغرب، فلماذا لا تزال أغطية حاويات الأزبال مفتوحة دائما، في انتظار أن يأتي المتشردون لتقليب محتوياتها بحثا عن أشياء تصلح للأكل. متى سنتوفر، كباقي الشعوب التي قضت فعلا على الفقر، على حاويات أزبال مغلقة، لا يكترث أحد بتقليب محتوياتها.
يبدو أن الحياة تلعب معنا دائما لعبة التناقض. فالسيدة التي أحرقت نفسها بعد أن تأزمت وضعيتها النفسية، كانت تبيع الحلوى، رغم أن المذاق الوحيد الذي تبتلعه كل يوم من حياتها الماضية هو المرارة. وبسيمة التي لا تبتسم وزيرة للتنمية الاجتماعية، في بلد ينكر وجود الفقر بين أبنائه.. ماذا تفعلين إذن؟ أغلقي الوزارة، فلا حاجة لوزيرة للتنمية الاجتماعية مادام المغرب قد قضى على الفقر، بحثّ الفقراء على الاحتراق.