شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

الفساد والمحاسبة

إذا قرر عصفور أن يطير من فوق غصن الشجرة، فإن قراره يبقى مرهونا بتنفيذ الطيران بالفعل أو استمرار الحال على ما هو عليه والقرار يبقى مجرد قرار، مناسبة الكلام تتعلق بقرارات محاربة الفساد وضرورة تنزيلها على أرض الواقع لتشمل جميع المؤسسات، ويتم تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة كما جاء في دستور المملكة سنة 2011 والتوجيهات الملكية السامية للقضاء على فيروس الفساد الذي يُفرمل التنمية ويُعرقل انطلاق المغرب نحو مستقبل زاهر وفق السرعة المطلوبة.

إن الفساد الذي يعشش وسط الجماعات الترابية لا يمكن الاستهانة به في وضع عراقيل أمام الاستثمارات والتلاعب في الصفقات العمومية، والعلاقة مع شركات التدبير المفوض وتدني جودة الخدمات العمومية، والصراعات وتصفية الحسابات الضيقة على حساب الصالح العام الذي يوضع في آخر سلم اهتمامات بعض رؤساء المجالس وتسابقهم نحو استغلال فرصة التواجد بكرسي المسؤولية والفوز بالغنيمة المالية والسياسية.

هناك مئات الملفات القضائية، المسجلة ضد رؤساء جماعات ترابية وبرلمانيين، بسبب خروقات التسيير والقرارات الانفرادية والتلاعب بالوثائق التعميرية، وفساد سندات الطلب والصفقات العمومية، والكواليس المتعلقة بملايير ملفات التدبير المفوض، وذلك وسط ترقب وانتظار من المتهمين الذين يقبع بعضهم بالسجن وبعضهم يتابع في حالة سراح مع التحقيق لدى محاكم جرائم الأموال والمحاكم الابتدائية والاستئنافية، في حين هناك من توجد ملفاته لدى المجلس الأعلى للحسابات ولجان التفتيش التابعة لمصالح وزارة الداخلية.

يتطلب تنزيل التعليمات الملكية لمحاربة الفساد، تسريع الأبحاث القضائية بشكل لا يؤثر على جوهر القضايا وشروط المحاكمة العادلة، وتفادي طول مدة التحقيق وجمود التقارير حتى وفاة منتخبين كما وقع بالفعل في حالات بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، حيث هناك ملفات مسجلة سنة 2013 لدى محكمة جرائم الأموال وما زال البحث متواصلا بشأنها كما يظهر ذلك موقع محاكم إلى الآن نهاية سنة 2024.

لا تتعلق إجراءات محاربة الفساد بلحظة عابرة، أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات قضائية ضد المتورطين، بل يتعدى الأمر ذلك لتحقيق هدف استرجاع الأموال المنهوبة، وتتبع ثروات المشتبه فيهم التي يتم تسجيلها بأسماء لمقربين وأفراد العائلة، فضلا عن الصرامة في ردع المتورطين دون اعتبارات أخرى مهما كانت، سوى الحفاظ على المال العام، كي يشكل الأمر عبرة للغير ويعرف كل مسؤول أو منتخب أنه لا سبيل للفرار من المحاسبة وِفق القانون ومبدأ العدالة.

كم من منتخب دخل السياسة وهو لا يملك ثمن شرب كوب قهوة، وبعد سنوات من تسلق المناصب ومراكمة الامتيازات وربط العلاقات المتشابكة المصلحية بالمركز، أصبحت أملاكه تنافس التجار الكبار، وهؤلاء من يملكون القرارات بسبب القواعد الانتخابية التي ترتبط بالفساد الذي يطور من نفسه لمواجهة كل من يقترب من مصالحه أو يحاول التعرية على المستفيدين من الريع والرشوة والزبونية والمحسوبية ويبكون على المال العام كالتماسيح التي تذرف الدموع عند عملية الهضم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى