في صباح 16 يوليوز 1945 قامت أمريكا بأول تجربة نووية في تاريخ الإنسان.
وعندما نجحت التجربة، ظنت أمريكا أن أمام الاتحاد السوفياتي أكثر من عشرين سنة للحاق بها، ولكن كذب السياسيون ولو صدقوا؛ فبعد أربع سنوات ارتفع الفطر النووي من صحراء «سيمي بالاتنسك»، في كازاخستان. والسياسيون في العادة لا يرون أبعد من أرنبة أنفهم.
ومن أبصر أرنبة أنفه فقط كان أحول لا يبصر،
ومن يبصر هم العلماء الذين وصلوا إلى أسرار الذرة.
وفي يوم جلس العالم الفيزيائي الدانماركي «نيلز بور» مع تشرشل، ونصحه بتعميم تقنية السلاح النووي على العالم، وإنهاء الاحتكار النووي، وأن يكون تحت إشراف دولي، ولم تكن في الميدان إلا أمريكا؛ فجن جنونه، واعتبر الأمر خيانة عظمى، وكاد أن يلقي القبض عليه.
وفي يوم قام الفيلسوف «برتراند راسل» بمظاهرة في شوارع لندن وعمره 80 سنة، ضد التسلح النووي، فألقي القبض عليه وحكم عليه بستة أشهر حبسا، لإعاقة السير في شوارع لندن. والعلماء يفهمون والسياسيون لا يفقهون. وقصة السلاح النووي الإسرائيلي والباكستاني متشابهة وخرافة واحدة، ويلحقها الإيراني بخرافة أكبر.
وهناك من يظن أن حرب العراق كانت حربا ولم تكن حربا، بل كانت لعبة أتاري، والجيوش تقهر والشعوب لا تهزم. وكان التحدي في وجه أمريكا ليس أنها احتلت العراق، بل ماذا بعد ذلك وهو ما حصل وما زال، فمن رماد صدام خرج ألف مصدوم ومصدوم. وحاليا العراق طنجرة بخارية للتجارب من كل مخابرات المنطقة؛ فرقعة وتفجيرا وطبخا وأكلا!
يقول «فيكتور فيرنر»، في كتابه «الخوف الكبير أو الحرب العالمية الثالثة»، عن تطور القوة، إنها وصلت إلى تغيير نوعي؛ فلم تعد الحرب (حربا)، ويشبه هذا كما لو تجول رجل في مدينة وارتفاعه 200 متر ووزنه 200 طن؛ فهو على صورة بشرية مثل جوليفر مع الأقزام، ولكنه في حقيقته لم يعد بشرا، وكذلك الحرب.
وفي فيلم «التجميع الحرجCritical Assembly» ظهر أن من ركب السلاح النووي أربعة شباب، بينهم فتاة، من كلية قسم الفيزياء، فلم يعد الأمر لا سرا ولا صعبا.
وعندي طبيب كشميري مستعد أن يقاتل حتى آخر كشميري، ويتمنى أن تكون بيده قنبلة نووية ليضرب بها الهند.
والأطباء مهنيون فإذا دخلوا في السياسة كانوا مثل الأمي، الذي يريد حل مسألة في رياضيات التفاضل والتكامل.
وسلاح «شمشون» النووي الذي تحدث عنه «سيمور هيرش» في كتابه عن خرافة السلاح النووي الإسرائيلي، لن يزيد على قصة كوبا وكوريا؛ فلم يستخدم السلاح النووي في أشد الظروف مرارة ويأسا.
وعندما طلب «ماك آرثر» 26 رأسا نوويا لإنهاء الحرب الكورية عام 1950م، كلفه هذا أن يستقيل، وهو الجنرال الذي لم يهزم قط.
وكانت مسألة السلام عند «ترومان» أهم من حماقة جنرال.
وفي دراسة القيادة والعبقرية والإبداع في كتاب وضعه «دين كيث سايمنتن» للشخصيات المميزة، احتل القادة العسكريون القاع والحضيض؛ ولكنهم هم من يحكمون العالم العربي، في كثير من زواياه التعيسة.
تقول الدراسة إن «أقل القادة 109 ذكاء في دراسة كوكس هم العسكريون الـ27، ومعظمهم من الجنرالات وأمراء البحرية».
ومصيبة العربان هذه الأيام أن من تسلم ذرى القيادة عسكريون، مثل من يقود غواصة نووية، وهو لم يدخل البحرية قط.
وثقافة العسكريين لا تزيد على ثقافة طالب ثانوي. وعندما يحكم العسكريون الحياة السياسية؛ فهي أشبه بالسرطان حينما تنتقل خلايا الكولون إلى الدماغ.
ولكن مع هذا فقد خدم السلاح النووي السلام وختم الحرب إلى الأبد في تاريخ الإنسان، ولولا الردع النووي لبقي البشر يتقاتلون.
ومن استعرض تاريخ الإنسان والإنفاق العسكري ذهل، ولكن كل المشاريع العسكرية نفعت في النهاية فخدمت السلم، مثل الإنترنت وغزو الفضاء، فأصبحنا بنعمة الإنترنت إخوانا.
وهكذا فالحرب انتهت…
الحرب انتهت وعالم الكبار يعلم ذلك علم اليقين، ولكنه يراهن لآخر لحظة على مسرحية الحرب حفاظا على امتيازاته، وهو مؤشر لانهيار في عالم القيم.
ونهاية الحرب يعرفها العلماء، ويخفيها السياسيون وهم يتلون الكتاب.
وهو يروي قصة (الفراق) العلمي الأخلاقي. فبقدر انفتاح العالم على بعضه علميا بواسطة التكنولوجيا، بقدر وجود أمراض فكرية مثل (صراع الحضارات) يعلنها رجال لا يفقهون تطور الجنس البشري، أو يزعمون أن التاريخ ينتهي عند البيت الأبيض. وهؤلاء لا يصلحون أن يكونوا تلاميذ في علم التاريخ والحضارة.
ويبدو أن التاريخ له مجراه الخاص، وليس كما خطط له الجنرالات المجانين أو السياسيون التافهون.
وفي يوم هجمت تركيا على أوروبا لفتحها، وهي تطلب الآن باستعطاف من أوروبا أن تفتح تركيا فتأبى.
جاء في نوادر جحا الكبرى أنه تزوج، وبعد ثلاثة أشهر أعلمته زوجته أنها حامل، وعليه أن يحضر القابلة. قال: ولكنك في الشهر الثالث والنساء يضعن في الشهر التاسع؟ قالت: صحيح، ولكنك أخطأت في الحساب، فقد مضى على زواجي بك ثلاثة أشهر، ومضى عليك متزوجا بي ثلاثة أشهر، وأصبح للجنين في بطني ثلاثة أشهر وهذا مجموعه تسعة أشهر. فكر الشيخ مليا، ثم قال: صدقت، فلم أكن أفقه مثل هذا الحساب الدقيق، ثم هرع ليحضر القابلة.
وعلى هذه الحسبة يحسب السياسيون والعسكريون.
خالص جلبي