العسكري الذي عاد من رومانيا ليصبح رئيسا للجزائر سنة 1995
يونس جنوحي
عندما تحدث هشام عبود عن رؤساء الجمهورية الجزائرية منذ استقلال الجزائر وتنصيب أول رئيس لها سنة 1963، وصولا إلى آخر الرؤساء الذين عايش عبود كواليس وصولهم إلى السلطة عندما كان موظفا في إدارة الجيش، ويتعلق الأمر بالرئيس اليمين زروال.
أيام سوداء
المُلاحَظ في مذكرات هشام عبود أنه كان يعرف معلومات كثيرة عن رؤساء الجمهورية الجزائرية الذين دخلوا قصر المرادية قبل عبد العزيز بوتفليقة. إذ إنه عندما تحدث عن الهواري بومدين، تطرق كثيرا إلى تلامذته الذين تخرجوا على يديه وتعلموا منه تسبيق مصلحة الجيش أولا على مصالح المدنيين. والأمر نفسه عندما تحدث عن «أزلام» الشاذلي بن جديد الذين طوقوه ليصبح مجرد رئيس صوري خلال ثمانينيات القرن الماضي.
وعندما تعلق الأمر بالرئيس «اليمين زروال» الذي وصل إلى رئاسة الجمهورية بعد انتخابات 1995، التي جرت وشلالات الدم تتطاير في شوارع الجزائر وأقاليمها البعيدة عن المركز، فإن هشام عبود تحدث بدون تحفظ عن الحكام الحقيقيين للجزائر، ويقصد «مافيا الجنرالات» المكونة أساسا من الجنرال نزار وبلخير ومن معهما.
حسب المعارضة الجزائرية، التي ساندها هشام عبود كثيرا في هذه المذكرات، فإن الانتخابات الرئاسية التي أوصلت اليمين زروال إلى السلطة كانت انتخابات صورية وجرى التلاعب بها. ولكن، حسب مراقبين دوليين، فإن تلك الانتخابات كانت الأكثر نزاهة مقارنة بالانتخابات التي سبقتها منذ استقلال الجزائر.
ورغم ذلك فإن هشام عبود لم يتحمس كثيرا في مذكراته لتجربة زروال، فقد كان وقتها يعاني الأمرّين مع الجنرالات في الفترة نفسها التي كان فيها زروال يتحسس كرسيه الجديد في القصر الرئاسي. فقد تلقى عبود تهديدات بالاغتيال بعد أن لم تنفع معه تهديدات مصادرة الجريدة.
زروال والجيش
من المغالطات التي انتشرت عن اليمين زروال أنه لم يكن عسكريا. لكن هشام عبود ينفي هذا الأمر ويؤكد أن اليمين زروال انتمى هو الآخر إلى حركة تحرير الجزائر وانتسب إلى الجيش الوطني في بداية الستينيات في سنوات شبابه المبكرة. وكان من الجيل الأول للشبان الذين التحقوا بالجيش الوطني قبيل تحرير الجزائر. إذ كان عمره لا يتجاوز 16 سنة عندما التحق بالثكنات.
لكن ما ميز زروال عن أغلبية شبان ذلك الوقت أنه كان متعلما. إذ تم اختياره رفقة عدد قليل من المحظوظين في الجزائر، لكي يحظى بتدريب عسكري مكثف في الاتحاد السوفياتي، ثم في المدرسة الحربية الفرنسية، حيث التقى هناك بشباب مغاربة كانوا يتدربون أيضا في المدرسة العسكرية نفسها التي تعتبر من بين أرقى المعاهد العسكرية في أوربا، وتخرج منها سنة 1974.
لكنه عندما عاد إلى الجزائر اشتغل في عدد من الفرق التي تحدث هشام عبود سابقا عن فضائحها وممارساتها التي اعتبرها، سواء في المذكرات أو في الجرائد التي اشتغل بها، فوق السلطة. كان زروال من الذين تم إبعادهم حتى لا يكونوا شهودا على عدد من العمليات أيام الهواري بومدين، لكنه عاد بقوة بعد تنصيب الشاذلي بن جديد رئيسا خلال ثمانينيات القرن الماضي. لكنه لن يعمر طويلا في قيادة الجيش، حيث قدم استقالته سنة 1989، وأشيع، حسب مصادر إعلامية جزائرية، أنه وضع استقالته لأنه كان يتصادم مع رئيس الجمهورية.
كيف يستطيع عسكري أن يستقيل لأنه على خلاف مع رئيس البلاد؟ يقول هشام عبود إن هذه الواقعة من بين أكبر الأدلة على فساد السياسيين الجزائريين، وأن الحكام الفعليين للبلاد هم عصابة مافيا الجنرالات وليس السياسيين لا من اليمين ولا من اليسار.
إذ بمجرد ما وضع اليمين زروال استقالته متحديا الرئيس الشاذلي بن جديد، حتى كافأه الجنرالات بتعيينه سفيرا للجزائر في رومانيا. حيث حظي هناك بما يشبه عطلة من الأجواء الدموية في الجزائر. وهو ما كان نقطة قوة لصالحه، لأن الجيش بعد مرحلة بن جديد كان يحتاج إلى عسكري ببذلة غير ملطخة بدماء الأبرياء لكي يدخل القصر الرئاسي بهدوء. وهذا ما وقع. تم استدعاء اليمين زروال من رومانيا، ودخل الانتخابات بمعنويات مرتفعة وهزم الشاذلي بن جديد وأصبح رئيسا سنة 1995، قبل أن يُهزم على يد عبد العزيز بوتفليقة سنة 1998. وبدا واضحا أن مافيا الجنرالات كانت تحرك الانتخابات بالشكل الذي يخدم مصالحها، وتصر على توظيف الجالس في كرسي الرئاسة لصالحها.